في بداية الألف الأول قبل الميلاد وربما قبل ذلك بقليل ظهرت حقبة جديدة في تاريخ الإمارات القديم أطلق عليها حقبة العصر الحديدي. وبالرغم من أن استعمال الحديد في جنوب شرق الجزيرة العربية شاع فقط في النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد فإن مصطلح العصر الحديدي يطلق على الحقبة ما بين 1300 و 300 ق.م. ومع ذلك فقد تم اكتشاف أدوات من الحديد في موقع مويلح والذي هو اليوم جزء من مدينة الشارقة ترجع إلى القرون الأولى من الألف الأول قبل الميلاد. إن غياب النصوص الكتابية وعدم التعرف بشكل دقيق على أجناس الأقوام التي عاشت في المنطقة في تلك الحقبة هي التي جعلت المنقبين عن الآثار يطلقون هذه التسمية على ذلك العصر. يذكر أن الإنسان في منطقة الشرق القديم اكتشف الحديد وبدأ بتصنيعه منذ 1300 عام قبل الميلاد. وحضارة العصر الحديدي تختلف تماماً عن حضارة العصر البرونزي وقد ظهر ذلك جلياً في شكل المستوطنات السكنية للعصر الحديدي التي امتازت بوحدات البناء المستقلة، ولم يعد للمستوطنات ذات الأشكال البرجية والتي كانت معروفة أيام العصر البرونزي من وجود. إن المعروضات الموجودة في متحف العين والتي تعود إلى العصر الحديدي قد جاءت من المواقع الأثرية مثل هيلي 2 والرميلة وبدع بنت سعّود والقصيص. فمن هيلي 2 الذي تم تنقيبه من قبل إدارة الآثار والسياحة عرضت صورة ومخطط لجزء من الموقع سوية مع مجموعة من المكتشفات الأثرية مثل السهام البرونزية وأغطية أواني الحجر ونماذج من الفخار والأصداف يستطيع الزائر الإطلاع عليها في الخزانتين 145 و 146. والأواني الفخارية التي تم العثور عليها في الغالب خارج المنازل لا تمثل سوى نسبة ضئيلة جداً مما تم اكتشافه. وهذه المكتشفات وكذلك العدد الكبير من مواقد النار التي اكتشفت في الفسح الخارجية تدل على أن سكان هيلي 2 كانوا يمارسون نشاطهم اليومي خارج المنازل بالدرجة الأولى. أما بالنسبة إلى موقع رميلة فقد تم تخصيص خزانتين، في الأولى (147) تم عرض صورة توضح جانباً صغيراً من منطقة التنقيب وثلاثة أواني من الفخار زينت إحداها وهي غير كاملة بثعبان ملتوي. والنوع الأخير من الفخار استعمل بكثرة في مواقع العصر الحديدي ومن المحتمل أن يكون لرمز الثعبان علاقة بالديانة (الديانات) القديمة لأبناء العصر الحديدي في المنطقة. وبالإضافة إلى الفخار تم عرض عدد من أواني الحجر أبرزها الإناء البرميلي الشكل ذو المقابض الأربعة. وفي الخزانة المجاورة (148) تم عرض أدوات من البرونز، منها عدد من السهام ومعزقين كانا يستعملان في حرث الأرض وفأسين وخنجر. ويوجد كذلك زوج من الحجول أو الأساور وعدد من الأختام المنبسطة. ومما يجدر ذكره هو أن التنقيب في موقع رميلة كان قد بدأ لأول مرة في من قبل البعثة الدنمركية في ستينات القرن الماضي، وقام بعد ذلك فريق صغير من إدارة الآثار والسياحة بالتنقيب في نفس الموقع، بينما أجرت البعثة الفرنسية تنقيبات مكثفة في النصف الأول من الثمانينات تمكنت من خلالها من اكتشاف ثلاث طبقات بنائية متعاقبة. وهذه الطبقات ينسبها المنقبون إلى النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد، بالرغم من أن استيطاناً مبكراً في رميلة من المحتمل أن يكون قد بدأ في القرون الأخيرة من الألف الثاني ق.م. وبعد زيارة جناح رميلة يعود الزائر إلى القاعة الثالثة ليواجه جرار تخزين كبيرة اكتشفت في كل من هيلي ورميلة. وإلى اليمين يستطيع الزائر مشاهدة المزيد من مكتشفات العصر الحديدي ولكن هذه المرة من موقع بدع بنت سعّود الذي يقع على بعد 12 كيلومتر شمال هيلي. ففي الخزانات 149-152 تم عرض أواني من حجر الكلورايت وأغطية لتلك الأواني مصنوعة من نفس الحجر. كما وعرضت مكتشفات أخرى مثل زوج من الأقراط المصنوعة من الذهب وخرز متنوع وأدوات زينة مصنوعة من القواقع البحرية. ومن المكتشفات الأخرى ملقطين وإبرة من النحاس (خزانة 150). وفي المدافن التي بنيت على قمة مرتفع بنت سعّود تم اكتشاف عدد من السيوف والسهام البرونزية معروضة في الخزانة 151. أما الفأس المعروضة مع رؤوس السهام البرونزية والسيوف السالفة الذكر فقد تم العثور عليها في قبر من العصر الحديدي تم اكتشافه في الطبقة العليا من موقع العصر البرونزي في هيلي 8، بينما اكتشف الإناء الحجري وغطائه المعروضين في نفس الخزانة بطريق الصدفة في منطقة الصاروج، وهذا الإناء هو من أكبر الأواني المكتشفة بمدينة العين. لا يقتصر وجود مواقع العصر الحديدي على مدينة العين أو أبو ظبي فقط بل هي منتشرة في أماكن كثيرة من أرض الإمارات. وموقع القصيص الذي كان يقع على أطراف مدينة دبي حين نقبته بعثة الآثار العراقية في عام 1974 هو اليوم جزء من المدينة. لقد أشرفت إدارة الآثار والسياحة في العين على التنقيب في هذا الموقع واحتفظت ببعض المكتشفات الأثرية تم عرضها بالكامل، في حين احتفظ متحف دبي بالباقي. وموقع القصيص يتكون بالدرجة الأولى من مقبرة واسعة تتكون من قبور فردية وأخرى جماعية. وفي المقابر الفردية وجدت الهياكل العظمية أو بقاياها مزودة بأواني الحجر والفخار والبرونز وبالخناجر البرونزية. وقد تبين أن النساء قد دفنوا وهم في حليهم من قلائد وخواتم وخرز اللؤلؤ. لقد تم نقل أحد القبور الذي يحتوي على هيكل عظمي في وضع القرفصاء إلى متحف دبي وتم عرضه في إحدى القاعات. وفي موقع القصيص تم اكتشاف وتنقيب مدفنين جماعيين أحدها مقسم من الداخل إلى عدة أقسام من المحتمل أن يكون قد تم بناؤه على مراحل بدأت في الألف الثاني قبل الميلاد. أما الثاني فهو مستطيل الشكل ولم ينقب بالكامل، وهو من المدافن التي تسمى مدافن وادي سوق التي ترجع إلى النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد. وباختصار فإن مدافن القصيص ما تزال بحاجة إلى المزيد من الدراسة لاسيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار أعمال التنقيب التي تمت فيها فيما بعد من قبل متحف دبي، وكذلك نتائج التنقيب في مدافن أخرى داخل الدولة وخارجها خلال العقدين الماضيين. يعرض متحف دبي معظم مكتشفات القصيص بينما يعرض متحف العين في الخزانة 153 أواني من الفخار وفي الخزانة 154 يعرض أواني الحجر وأغطيتها وخنجر ومكتشفات متفرقة كان موتى القصيص يتم تزويدهم بها. وفي الخزانة 155 توجد مجموعة من الأواني الحجرية أبرزها الإناء البرميلي الشكل الذي يشبه إناء رميلة، وفي هذه الخزانة كذلك بعض الأواني البرونزية وإنائين مصنوعين من حجر الكالسايت أو الألباستر |
حضارة العصر الحديدي ،في الامارات
الهاشم- الهاشم
- عدد الرسائل : 296
العمر : 29
الموقع : منتديات الهاشم
تاريخ التسجيل : 28/08/2007
- مساهمة رقم 1
حضارة العصر الحديدي ،في الامارات
الهاشم- الهاشم
- عدد الرسائل : 296
العمر : 29
الموقع : منتديات الهاشم
تاريخ التسجيل : 28/08/2007
- مساهمة رقم 2
متحف العين - دولة الامارات العربية ...
في القاعة الرابعة وبعد معروضات هيلي يستطيع الزائر أن يطلع على مكتشفات جزيرة أم النار التي تقع جوار مدينة أبو ظبي، تلك الجزيرة التي أعطت اسمها للحضارة الجديدة التي اكتشفت فيها لأول مرة عام 1959. وحضارة أم النار التي ترجع في تاريخها إلى النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد، أي إلى نفس معروضات هيلي تمثل الوجه الساحلي لهذه الحضارة. لقد كشفت التنقيب الذي أجرته البعثة الدنمركية في هذه الجزيرة وكذلك الفرق الأخرى مثل البعثة العراقية والفرق المحلي عن أجزاء من الموقع الأثري للجزيرة والذي يتكون من مستوطنة ومقبرة تضم خمسين مدفناً. لقد تم تنقيب أجزاء قليلة من المستوطنة السكنية للجزيرة وتم اكتشاف وحدات سكنية وبناية كبيرة وصفت بأنها كانت مخزناً للبضائع. أما المكتشفات الأثرية فقد تنوعت منها كميات من سنارات صيد السمك وثقالات الشباك وأقراص المغازل ومثاقب وأبر خياطة وشفرات برونزية ومدقات وكميات كبيرة من الفخار وعظام الحيوانات، تم منها عرض ناب لحيوان بقر البحر (الخزانة 128). وهذا الحيوان الذي لا يزال يعيش في المياه الضحلة إلى الغرب من أبو ظبي قد كان مفضلاً لدى الصيادين عبر عدة آلاف من السنين وقد شكّل جزءً كبيراً من الغذاء آنذاك حيث تم العثور على كميات كبيرة من العظام. وتشير الأدلة كذلك على أن بقر البحر الذي تحميه القوانين الحالية لدولة الإمارات وتحرم صيده كان صيداً مفضلاً لدى سكان السواحل منذ بداية الألف الخامس قبل الميلاد، وبالإضافة إلى لحمه فقد كان يستفاد من جلد هذا الحيوان وزيته.أما مدافن جزيرة أم النار فهي تشبه من حيث تخطيطها وعمارتها المدافن الموجودة في هيلي والتي تعود إلى نفس الفترة الزمنية، وهي عبارة عن مباني دائرية ذات غرف متعددة، ولكل مدفن منها مدخلان يؤديان إلى تلك الغرف. ومكتشفات أم النار المعروضة في متحف العين تشمل أسلحة من النحاس والكثير من أواني الفخار والقلائد والحلي الأخرى، منها دبوس فريد من الذهب كان يستعمل لربط الشعر (الخزانة 129). وهذا الجناح من المعروضات يحتوي على مكتشفات أخرى منها تمثال غير كامل مصنوع من الحجر الجيري يمثل إنساناً واقفا تم تشكيله بطريقة بين النحت البارز والمجسم وهو مفقود الرأس. وبالإضافة إلى هذا التمثال توجد منحوتات أخرى عليها رسوم حيوانات كانت تزين الجدران الخارجية لبعض من تلك المدافن، ومن هذه الرسوم غزال المها والثور والثعبان والجمل. وموضوع استئناس الجمل هو من المواضيع التي تستوجب التوقف عندها قليلاً، حيث تم العثور على كميات كبيرة من عظام الجمال بين أنقاض المستوطنة مما يعني أن سكان أم النار قد اقتاتوا أيضاً على لحم هذا الحيوان. وبالرغم من عدم وجود دليل قاطع على استئناس هذا الحيوان في تلك الحقبة فإن احتمال تربيته يجب أن لا يستبعد تماماً. ومن خلال الدليل الحالي فإن هذا الجمل قد استأنس في الربع الأخير من الألف الثاني قبل الميلاد. وقد جاء هذا الدليل من خلال دمى الطين والرسوم على الحجر إضافة إلى النصوص الكتابية. ً وإلى جوار معروضات أم النار السالفة الذكر تم تصوير الرسوم المنقوشة على بوابتي مدفن هيلي الموجود في وسط متنزه الآثار في هيلي بحجم يوازي نصف حجمها الأصلي. وهذا المتنزه يستحق الزيارة حيث يوجد فيه عدد من مواقع الآثار، وفي الحقيقة أن هذا المدفن هو واحد من مدافن كثيرة تعود إلى العصر البرونزي موجودة داخل وخارج المتنزه ويعتبر من أهم المعالم الأثرية المعرفة في دولة الإمارات العربية المتحدة وقد استخدمت فيه أحجار ضخمة زين البعض منها برسوم بارزة. وعلى المدخل الشمالي لهذا المدفن تم نقش رسوم آدمية وحيوانية، منها رسم لشخصين يعانق احديهما الآخر، بينما يشاهد شخص ثالث وهو يركب حماراً يسير خلفه شخص يمسك بما يشبه العصا. وفي أسفل هذا المدخل كذلك تم نقش حيوانين كبيرين ربما يمثلان نمرين أو لبوتين بينها غزال صغير. أما المدخل الجنوبي مزين برسمين متقابلين لغزال المها بينهما يقف شخصين يمسك كل منهما بيد الآخر.وفي الخزانات الثلاث الموجودة أمام هذه الرسوم (130 – 132 ) توجد أنواعاً أخرى من فخار أم النار تشبه تلك التي تم اكتشافها في هيلي. وهذه الفخاريات من النوع الأحمر أو الرمادي وقد تم عرضها سوية مع أواني صغيرة من حجر الكالسايت أو الألباستر.وإلى جوار رسوم هيلي توجد خزانة رقمها 133 فيها صور بالأسود والأبيض لمدافن أم النار. ومع هذه الصور تم عرض مجموعة من الفخار الأحمر الرقيق المزخرف. إن أكثر الجرار أهمية تلك الجرة المزينة برسم ثور يذكر برسوم مشابهة كانت معروفة في حضارة وادي السند. أما الخزانة المجاورة ففيها تم عرض خمس جرار تعود إلى عصر فجر السلالات الثالث في بلاد الرافدين، وهذه الجرار تعتبر من الجرار العراقية المستوردة إلى المنطقة.لقد كشفت أعمال المسح والتحري عن المواقع الأثرية عن مواقع جديدة تعود إلى عصر أم النار والتي كانت محصورة من قبل في منطقتي هيلي وجزيرة أم النار فقط. ومن تلك المواقع موقع غناضة الذي يقع بين مدينتي أبو ظبي ودبي حيث تم اكتشاف مستوطنة فيها كان أهلها يمارسون الصيد البحري بالدرجة الأولى. ومنذ ذلك الحين بدأت أدلة أخرى تشير إلى امتداد تلك الحضارة بالظهور في أماكن أخرى من أرض الإمارات، ففي عام 1986 تم اكتشاف مدفنين في منطقة المويهات في عجمان تم تنقيبها من قبل فريق من إدارة الآثار والسياحة بالعين، ولذلك فإن متحف العين يعرض بعضاً من مكتشفات هذين المدفنين في حين يعرض متحف عجمان الباقي. والمدفن الأول دائري الشكل تم بناؤه فوق سطح الأرض بينما المدفن الثاني مستطيل بطول أربعة أمتار وعرض مترين اكتشفت فيه بقايا 120 هيكلاً عظمياً تم تنقيبها بالكامل. ونظراً لعدم العثور على بقايا للعظام في المدفن الأول (الدائري) يعتقد بأنه قد أخلي من موتاه ليعاد استعماله من جديد. لقد كنا قد فسرنا غياب العظام في المدفن الدائري المجاور للمدفن N الموجود في حديقة هيلي، وهي حالة مشابه لما اكتشف في عجمان، على أنه مدفن أخليت عظامه عمداً من أجل إعادة استخدامه من جديد ولكن أعمال التنقيب الأخيرة التي يقوم بها عدد من المتخصصين بعلم الإنسان في المدفن الأخير تجعلنا أن نعيد النظر بهذا الرأي، حيث تبين أن بعضاً من عظام الهياكل لا تزال مرتبطة ببعضها البعض، مما تشير إلى أن بعض الموتى على الأقل قد قبروا في هذا المدفن بعد الموت مباشرة ولم يمروا بالمدفن المجاور. وإضافة إلى المواقع المذكورة فقد تم اكتشاف مستوطنة سكنية في قرية البدية الكائنة شمال مدينة الفجيرة. وبالرغم من عدم وجود آثار معروضة من هذه المستوطنة في متحف العين الوطني لا بد من الإشارة إليها باعتبارها أول دليل على اكتشاف آثار لتلك الحضارة في المنطقة الشرقية من دولة الإمارات. ولقد قادت عملية التنقيب التي أجرتها إدارة الآثار والسياحة هناك على اكتشاف أسس لبناية دائرية تذكّر ببناية هيلي 8 . وقد أنشئ الجدار الخارجي لبناية البدية وهو جدار مزدوج بالحجر بينما تدل بقايا الجدران الداخلية على أنها كانت مبنية من اللبن والطين. هذا وقد تم في السنين القليلة الماضية اكتشاف مواقع أخرى تعود إلى حقبة أم النار في أماكن متفرقة من أرض الإمارات مثل شمل في رأس الخيمة والدور في أم القيوين والصفوح وحتا في دبي ومليحة في الشارقة.
الهاشم- الهاشم
- عدد الرسائل : 296
العمر : 29
الموقع : منتديات الهاشم
تاريخ التسجيل : 28/08/2007
- مساهمة رقم 3
حضارة الإمارات الدفينة ....؟
حضارة الإمارات الدفينة··تبوح بأسرارها :
استقطبت عمليات التنقيب والبحث عن الآثار اهتمام الكثير من الناس، حتى أصبح هذا المجال علماً يتشكل ليقارب في صورته فنا من الفنون البشرية الرائعة، ومع تطور اجهزة واساليب المسح والبحث الميداني للآثار فقد غطت هذه العمليات معظم انحاء العالم، اما مناطق شبه الجزيرة العربية والخليج العربي فلم تنل الاهتمام الكافي ولفترات طويلة سوى بعض العمليات البحثية البسيطة التي تمت في القرن التاسع عشر·
ولا يعرف الكثيرون، من ابناء منطقة الخليج والزائرون لها ان بلدانهم حفلت واحتضنت على مر التاريخ حضارات مختلفة، وكانت الإمارات من هذه الدول التي كشفت العمليات فيها عن آثار ذات قيمة علمية عالية، ومن أهم الكتب التي حاولت وضع صورة دقيقة وحقيقية وسعت الى كشف خبايا تاريخ الحضارات البشرية التي عاشت على هذه الارض كتاب الحضارة الدفينة لمؤلفه بيتر هيليير الذي قام بنشره بنك الاتحاد الوطني عام 1998 وكتب مقدمته البروفيسور د· ت· بوتس ونحاول هنا عرض أهم ما جاء فيه بإيجاز، ليطلع ابناء هذا الوطن الطيب على إرثهم الحضاري والتاريخي، وهو بنفس الوقت دعوة لزيارة هذه الاماكن التاريخية الجميلة·
* فسيفساء آسيا
ورغم اعتبار الامارات الى وقت قريب ومن وجهة نظر أثرية علمية ارضا مجهولة تشكل قطعة من فسيفساء آسيا الغربية لا تقل اهمية في اصغر اجزائها عن جاراتها الأوسع شهرة، لكن حالت بعض الاسباب التاريخية دون اتساع نطاق عمليات الاستكشاف في السابق الى ان نفضت الامارات عن ارضها غبار الزمن ونسجت رحلة عبر التاريخ في قصة تمتد فصولها الى حوالي 200 مليون سنة، وما يميز هذه التنقيبات والآثار المكتشفة في الدولة عن غيرها انها تمت تحت انظار واشراف مباشر من قبل حكومتها الوطنية والتي اعطت هذا الامر اهتماماً عاليا مكنها من الحفاظ على اثارها في داخل الدولة، على عكس ما حدث في تنقيبات عن الآثار في بلدان الشرق الاخرى والتي تمت وفق صيغة استعمارية من قبل البعثات الاوروبية مما ادى بدوره الى سرقة الكثير من آثار تلك الدول بحجج البحث العلمي، والكثير منها الآن موجود في المتاحف المنتشرة في أوروبا·
* جذور علم الآثار
ان جذور علم الآثار في الإمارات مرتبطة الى حد كبير بصناعة النفط، وتبدأ القصة بقدوم تمبل هليارد الموظف بشركة مناطق أبوظبي البحرية أدما من البحرين الى أبوظبي في أواخر الخمسينيات، حيث اكتشف عدداً من التلال الكبيرة من الحجارة في جزيرة ام النار ، الأمر الذي دفعه لمراسلة صديقه جيوفري بيبي العامل ضمن فريق آثار في البحرين تابع لمتحف آروس الدانمركي والذي كان يرأسه حينها البروفيسور ب·ف· غلوب وابتدأت رحلة هذا الفريق في ام النار حيث يلقي بيبي الضوء على لقائه بالشيخ شخبوط رحمه الله وكيف اخبره بأن والده كان قد عثر سابقا على تماثيل حجرية على هيئة الحيوانات لا ريب انها تعود الى عصر الجاهلية قبل الإسلام، ويصف بيبي في كتابه البحث عن دلمون بأن هذا الامر زاد من قناعته بوجود الكثير من الآثار على هذه الارض، وازاحت حفريات هذا الفريق الستار عما اصبح يعرف اليوم بحضارة أم النار و التي اظهرت اثاراً تعود للألف الثالث ق·م، وان تلك الحضارة ارتبطت بروابط وصلات تجارية مع بلاد الرافدين ووادي السند·
* زايد والآثار
في عام 1959 زار صاحب السمو الشيخ زايد ام النار واطلع على المكتشفات ودعا فريق الآثار الى زيارة العين وقادهم سموه الى جبل حفيت في رحلة بحث اكتشف من خلالها في ذلك الوقت سبعة وعشرين موقعاً تعود الى أواخر الألف الرابع ق·م، وبفضل ما ابداه سموه من اهتمام كشف الفريق عن موقع آخر في منطقة هيلي وصف بأنه احد اكثر الاثار الصخرية روعة وفتنة في أنحاء الإمارات برمتها، وبعد عام 1966 تسارعت وتيرة الأعمال الاثرية فغطت معظم ارجاء الدولة فجاء عدد من أهم خبراء الاثار ومنهم العالمة البريطانية بياتريس دي كاردي والتي منحها حاكم رأس الخيمة صاحب السمو الشيخ صقر بن محمد القاسمي وسام القاسمي تقديراً لجهودها في البحوث التي اجرتها واكتشافها لمواقع مهمة في الإمارات الشمالية ومنها خت و عسمة ·
* فرق آثار عالمية
من أهم الفرق التي شاركت في البحث والتنقيب بعد ذلك كان الفريق الفرنسي تحت إشراف سيرج كلوزيو الذي قام وفريقه بعدة تنقيبات في منطقة العين ، وتبعتهم بعد ذلك عدة بعثات فرنسية اكتشفت مناطق مهمة في إمارة الشارقة ومنها قريتا أم صفاة و الثقيبة اللتان ترجعان الى العصر الحديدي، وتتابعت الفرق حيث اكتشفت فرقة بريطانية موقعاً يعود الى الألف الثاني ق·م في منطقة غليلة وموقعاً آخر يعود لنفس الفترة في جلفار ، وتحت رعاية جامعة كوبنها جن تولى دان بوتس البحث عن الآثار في تل أبرق ، واكتشف فريق آثار سويسري موقعين في البثنة وحصن مضب التابعين لإمارة الفجيرة ، وامضى الزوجان اليابانيان تاتسوا و هانا ساساكي سنوات عديدة من التنقيب في منطقة جلفار واكتشفا العديد من الآثار الهامة فيها·
من هذه اللمحة السريعة لبعض الفرق الآثارية التي نقبت وبحثت في ارض الإمارات نستطيع ان نلمس نقطتين هامتين وهما أن الآثار تغطي كل بقعة من هذا البلد ولا تقتصر على منطقة بذاتها، وكما تعددت المناطق الأثرية تعددت ايضا العصور والحضارات والمجاميع البشرية التي سكنت هذه الارض، وهو ما نحاول ايجازه عبر رحلتنا في الأزمان المتلاحقة الواردة في فصول هذا الكتاب·
* عصر الكائنات المتحجرة
يعود هذا العصر الى مئات الملايين من السنين، ويظهر من البحوث الجيولوجية ان اقدم الصخور قاطبة في الإمارات تعود الى 600 مليون سنة ويمكن رؤيتها من خلال النتوءات الجبلية في بعض جزر الإمارات كجزيرة صير بني ياس، أما بالنسبة للمتحجرات فقد تم العثور عليها في مواضع عدة كالفجيرة وجبل الحوية في العين وقرن نزوا في الشارقة وتعود الى 200 مليون سنة، وهي مشابهة في تكوينها لمتحجرات البحر الاحمر فهي مكونة من القنافذ البحرية والمرجان والحيوانات الطحلبية، وقد عثر علماء الحفريات على متحجرات لأفراس البحر والافيال والقطط البرية التي تعود الى حوالي 16 مليون سنة·
* العصر الحجري القديم
ويمتد هذا العصر من حوالي 6000 ق·م الى حوالي 3500 ق·م، ويقدم هذا العصر دليلا على وجود أول مستوطنة سكانية في الإمارات، وتظهر الآثار اعتماد تلك المجموعة البشرية على الصيد وتجميع النباتات ووجود دلائل على قيام تجارة بحرية بينها وبين بلاد الرافدين، وان التقنيات المستخدمة في الصناعة لديها اشتملت على ادوات صوانية دقيقة الصنع من النوع المشطور الوجهين الشائع لدى العرب، واهم مواقع ذلك العصر: جبل بحيص وهو عبارة عن مدفن جماعي، و مروح ويضم أكبر مجموعة معروفة من الادوات الصوانية، و دلما التي كانت مستوطنة صيد عثر فيها على اقدم منازل في الإمارات وفخاريات مستوردة من بلاد الرافدين·
* العصر البرونزي
يشتمل على ثلاث حقب هي: حقبة جبل حفيت يمتد من 3200 ق·م الى حوالى 2500 ق· منسبة للمدافن التي عثر عليها في جبل حفيت قرب العين والتي تشبه بتكوينها خلايا النحل، ويتزامن تاريخها من ازدهار صناعة النحاس الذي تم تعدينه وربما كان ذلك لتصديره الى بلاد الرافدين، وشهدت تلك الحقبة انشاء مستوطنة زراعية ضخمة في العين تقوم على زراعة الذرة والقمح، ويعتبر جبل حفيت من أهم مواقع تلك الحقبة، يليه في الأهمية موقع الهيلي والذي شكل فيما سبق مستوطنة قديمة، وموقع جبل إميلح قرب منطقة الذيد وهو عبارة عن قبور جماعية شكلت مرحلة انتقالية للفترة التي اعقبتها·
* حقبة أم النار
سميت كذلك لوجود عدة مدافن جماعية ضخمة من الحجارة في جزيرة ام النار القريبة من أبوظبي تعود الى ما بين 2500 و2000 ق·م، وشهدت قيام روابط تجارية متينة مع حضارتي بلاد الرافدين وحضارة هرابا في وادي السند، وامتدت جغرافيتها حتى اراضي عمان واستوعبت ما يفوق 200 مدفن في جميع انحاء البلاد، ومن ابرز المواقع التي تعود لهذه الحقبة هي أم النار وتضم مستوطنة ومدافن، حدائق هيلي عبارة عن قبر دائري اعيد بناؤه، تل ابرق ، وهو برج محصن يبلغ قطره 40 متراً، شمل في رأس الخيمة وفيه قبران جماعيان وموقعان في كلبا و البدية في إماراتي الشارقة والفجيرة على التوالي كل واحد منهما عبارة عن برج دائري·
* حقبة وادي سوق
وتمتد من حوالي 2000 الى 1300 ق·م، واكتسبت تسميتها من أحد المواقع الكائنة في وادي سوق بين العين وساحل عمان، وقد شهدت هذه الحقبة تغييرا في أنماط التجارة مع الدول الاخرى، وقد عثر في القبور المنقبة من هذه الحقبة على أجمل الجواهر المشغولة من الذهب والفضة في مواقع عديدة منها القطارة في العين و البدية و بثنة و قذفة في الفجيرة و كلبا في الشارقة وهذه المواقع عبارة عن مستوطنات وقبور وحصون بأشكال مختلفة·
* العصر الحديدي
انبثق هذا العصر كما تشير البحوث عن حقبة وادي سوق للفترة ما بين 1300 الى 300 ق·م، وسجل فيه اول ظهور للحديد في المنطقة قرابة 900- 800 ق·م، وتميز هذا العصر بأول استخدام لنظام الافلاج الذي اتاح استخراج المياه الجوفية ومواصلة الزراعة في مناخ بات اكثر جفافا، وشهد هذا العصر اول ظهور للكتابة في الإمارات، ومن مواقع هذا العصر : رميلة و جرن بنت سعود في العين و الثقيبة و ام صفاة في الشارقة وهذه المواقع عبارة عن قرى كانت تستخدم نظام الافلاج، وموقع مويلح في الشارقة وشكل قديماً مستوطنة صحراوية وفيها عثر على اول دليل على وجود الحديد واستخدام الكتابة في الإمارات، وتوجد من هذا العصر قلاع مبنية على قمم التلال في حصن مضب بإمارة الفجيرة·
* الحقبة الهيلينية - البارثية
وتأثرت هذه الحقبة بالدول الهيلينية التي خلفت الاسكندر المقدوني وشهدت قيام روابط تجارية مع منطقة البحر المتوسط وبالخصوص مع روما واليونان، وعثر على ادلة تشير الى قيام الحكام المحليين ولأول مرة بــــ سك النقود ، ومن مواقعها مليحة قرب منطقة الذيد وفيها عثر على قالب لسك النقود، الدور في أم القيوين وفيها وجدت حصون ومعابد متعددة، ويمتد عمر هذه الحقبة الى حوالي عام 300 للميلاد·
* فترة ما قبل الإسلام
وتمتد من حوالي 300 م الى 650 م وتمثل المرحلة الاخيرة التي سبقت ظهور الاسلام ووقوع المناطق الساحلية للإمارات تحت نفوذ الامبراطورية الساسانية في إيران، واول انتشار للديانة المسيحية في المنطقة، وبزوغ رأس الخيمة ودبا كموانىء رئيسية للمتاجرة مع الشرق الاقصى، ومن أهم المواقع المكتشفة من هذه الفترة: صير بني ياس في ابوظبي ووجد فيه دير مسيحي يعود الى ما قبل الاسلام، كوش في رأس الخيمة وعثر فيه على معقل حربي ساساني·
* العصر الاسلامي
ويمتد من ظهور الاسلام الى حوالي القرن الثالث عشر الميلادي، ويوضح هذا العصر انضمام الامارات تحت راية الدولة الاسلامية وكيف ان جيوش المسلمين التي ابحرت من رأس الخيمة تمكنت من قهر الجيوش الساسانية في إيران واتجهت صوب افغانستان وآسيا الوسطى، وشهدت هذه الفترة مشاركة دبي ورأس الخيمة وعلى نطاق واسع في التجارة مع المحيط الهندي، ومن المواقع المهمة لهذه الفترة : الجميرة في دبي ووجدت فيها آثار مدينة تعود لأوائل العصر العباسي، حليلة في رأس الخيمة وهي عبارة عن آثار مستوطنة تجارية·
* العصر الاسلامي المتأخر
ويمتد الى القرن التاسع عشر الميلادي وشهد نهاية لصناعة تعدين النحاس التي دامت 4500 سنة مع قدوم القوى الاستعمارية الاوروبية الى المنطقة وزعزعة الطرق التجارية القديمة، وعاش في هذا العصر واحد من ابرز الشخصيات الاماراتية وهو الملاح احمد بن ماجد، ويدل وجود كميات كبيرة من السيراميك الشرقي على الروابط التجارية المتينة مع البلدان الاخرى في تلك السنين، ومن المواقع الآثارية لهذه الفترة : جلفار في رأس الخيمة وفيها قامت مستوطنة كبيرة لا تزال ملامحها واضحة للآن، البدية في الفجيرة وفيها اقدم مسجد مستخدم للآن في الإمارات، دلما في أبوظبي وابنيتها المعمارية ذات الطراز المحلي ما زالت قائمة·
استقطبت عمليات التنقيب والبحث عن الآثار اهتمام الكثير من الناس، حتى أصبح هذا المجال علماً يتشكل ليقارب في صورته فنا من الفنون البشرية الرائعة، ومع تطور اجهزة واساليب المسح والبحث الميداني للآثار فقد غطت هذه العمليات معظم انحاء العالم، اما مناطق شبه الجزيرة العربية والخليج العربي فلم تنل الاهتمام الكافي ولفترات طويلة سوى بعض العمليات البحثية البسيطة التي تمت في القرن التاسع عشر·
ولا يعرف الكثيرون، من ابناء منطقة الخليج والزائرون لها ان بلدانهم حفلت واحتضنت على مر التاريخ حضارات مختلفة، وكانت الإمارات من هذه الدول التي كشفت العمليات فيها عن آثار ذات قيمة علمية عالية، ومن أهم الكتب التي حاولت وضع صورة دقيقة وحقيقية وسعت الى كشف خبايا تاريخ الحضارات البشرية التي عاشت على هذه الارض كتاب الحضارة الدفينة لمؤلفه بيتر هيليير الذي قام بنشره بنك الاتحاد الوطني عام 1998 وكتب مقدمته البروفيسور د· ت· بوتس ونحاول هنا عرض أهم ما جاء فيه بإيجاز، ليطلع ابناء هذا الوطن الطيب على إرثهم الحضاري والتاريخي، وهو بنفس الوقت دعوة لزيارة هذه الاماكن التاريخية الجميلة·
* فسيفساء آسيا
ورغم اعتبار الامارات الى وقت قريب ومن وجهة نظر أثرية علمية ارضا مجهولة تشكل قطعة من فسيفساء آسيا الغربية لا تقل اهمية في اصغر اجزائها عن جاراتها الأوسع شهرة، لكن حالت بعض الاسباب التاريخية دون اتساع نطاق عمليات الاستكشاف في السابق الى ان نفضت الامارات عن ارضها غبار الزمن ونسجت رحلة عبر التاريخ في قصة تمتد فصولها الى حوالي 200 مليون سنة، وما يميز هذه التنقيبات والآثار المكتشفة في الدولة عن غيرها انها تمت تحت انظار واشراف مباشر من قبل حكومتها الوطنية والتي اعطت هذا الامر اهتماماً عاليا مكنها من الحفاظ على اثارها في داخل الدولة، على عكس ما حدث في تنقيبات عن الآثار في بلدان الشرق الاخرى والتي تمت وفق صيغة استعمارية من قبل البعثات الاوروبية مما ادى بدوره الى سرقة الكثير من آثار تلك الدول بحجج البحث العلمي، والكثير منها الآن موجود في المتاحف المنتشرة في أوروبا·
* جذور علم الآثار
ان جذور علم الآثار في الإمارات مرتبطة الى حد كبير بصناعة النفط، وتبدأ القصة بقدوم تمبل هليارد الموظف بشركة مناطق أبوظبي البحرية أدما من البحرين الى أبوظبي في أواخر الخمسينيات، حيث اكتشف عدداً من التلال الكبيرة من الحجارة في جزيرة ام النار ، الأمر الذي دفعه لمراسلة صديقه جيوفري بيبي العامل ضمن فريق آثار في البحرين تابع لمتحف آروس الدانمركي والذي كان يرأسه حينها البروفيسور ب·ف· غلوب وابتدأت رحلة هذا الفريق في ام النار حيث يلقي بيبي الضوء على لقائه بالشيخ شخبوط رحمه الله وكيف اخبره بأن والده كان قد عثر سابقا على تماثيل حجرية على هيئة الحيوانات لا ريب انها تعود الى عصر الجاهلية قبل الإسلام، ويصف بيبي في كتابه البحث عن دلمون بأن هذا الامر زاد من قناعته بوجود الكثير من الآثار على هذه الارض، وازاحت حفريات هذا الفريق الستار عما اصبح يعرف اليوم بحضارة أم النار و التي اظهرت اثاراً تعود للألف الثالث ق·م، وان تلك الحضارة ارتبطت بروابط وصلات تجارية مع بلاد الرافدين ووادي السند·
* زايد والآثار
في عام 1959 زار صاحب السمو الشيخ زايد ام النار واطلع على المكتشفات ودعا فريق الآثار الى زيارة العين وقادهم سموه الى جبل حفيت في رحلة بحث اكتشف من خلالها في ذلك الوقت سبعة وعشرين موقعاً تعود الى أواخر الألف الرابع ق·م، وبفضل ما ابداه سموه من اهتمام كشف الفريق عن موقع آخر في منطقة هيلي وصف بأنه احد اكثر الاثار الصخرية روعة وفتنة في أنحاء الإمارات برمتها، وبعد عام 1966 تسارعت وتيرة الأعمال الاثرية فغطت معظم ارجاء الدولة فجاء عدد من أهم خبراء الاثار ومنهم العالمة البريطانية بياتريس دي كاردي والتي منحها حاكم رأس الخيمة صاحب السمو الشيخ صقر بن محمد القاسمي وسام القاسمي تقديراً لجهودها في البحوث التي اجرتها واكتشافها لمواقع مهمة في الإمارات الشمالية ومنها خت و عسمة ·
* فرق آثار عالمية
من أهم الفرق التي شاركت في البحث والتنقيب بعد ذلك كان الفريق الفرنسي تحت إشراف سيرج كلوزيو الذي قام وفريقه بعدة تنقيبات في منطقة العين ، وتبعتهم بعد ذلك عدة بعثات فرنسية اكتشفت مناطق مهمة في إمارة الشارقة ومنها قريتا أم صفاة و الثقيبة اللتان ترجعان الى العصر الحديدي، وتتابعت الفرق حيث اكتشفت فرقة بريطانية موقعاً يعود الى الألف الثاني ق·م في منطقة غليلة وموقعاً آخر يعود لنفس الفترة في جلفار ، وتحت رعاية جامعة كوبنها جن تولى دان بوتس البحث عن الآثار في تل أبرق ، واكتشف فريق آثار سويسري موقعين في البثنة وحصن مضب التابعين لإمارة الفجيرة ، وامضى الزوجان اليابانيان تاتسوا و هانا ساساكي سنوات عديدة من التنقيب في منطقة جلفار واكتشفا العديد من الآثار الهامة فيها·
من هذه اللمحة السريعة لبعض الفرق الآثارية التي نقبت وبحثت في ارض الإمارات نستطيع ان نلمس نقطتين هامتين وهما أن الآثار تغطي كل بقعة من هذا البلد ولا تقتصر على منطقة بذاتها، وكما تعددت المناطق الأثرية تعددت ايضا العصور والحضارات والمجاميع البشرية التي سكنت هذه الارض، وهو ما نحاول ايجازه عبر رحلتنا في الأزمان المتلاحقة الواردة في فصول هذا الكتاب·
* عصر الكائنات المتحجرة
يعود هذا العصر الى مئات الملايين من السنين، ويظهر من البحوث الجيولوجية ان اقدم الصخور قاطبة في الإمارات تعود الى 600 مليون سنة ويمكن رؤيتها من خلال النتوءات الجبلية في بعض جزر الإمارات كجزيرة صير بني ياس، أما بالنسبة للمتحجرات فقد تم العثور عليها في مواضع عدة كالفجيرة وجبل الحوية في العين وقرن نزوا في الشارقة وتعود الى 200 مليون سنة، وهي مشابهة في تكوينها لمتحجرات البحر الاحمر فهي مكونة من القنافذ البحرية والمرجان والحيوانات الطحلبية، وقد عثر علماء الحفريات على متحجرات لأفراس البحر والافيال والقطط البرية التي تعود الى حوالي 16 مليون سنة·
* العصر الحجري القديم
ويمتد هذا العصر من حوالي 6000 ق·م الى حوالي 3500 ق·م، ويقدم هذا العصر دليلا على وجود أول مستوطنة سكانية في الإمارات، وتظهر الآثار اعتماد تلك المجموعة البشرية على الصيد وتجميع النباتات ووجود دلائل على قيام تجارة بحرية بينها وبين بلاد الرافدين، وان التقنيات المستخدمة في الصناعة لديها اشتملت على ادوات صوانية دقيقة الصنع من النوع المشطور الوجهين الشائع لدى العرب، واهم مواقع ذلك العصر: جبل بحيص وهو عبارة عن مدفن جماعي، و مروح ويضم أكبر مجموعة معروفة من الادوات الصوانية، و دلما التي كانت مستوطنة صيد عثر فيها على اقدم منازل في الإمارات وفخاريات مستوردة من بلاد الرافدين·
* العصر البرونزي
يشتمل على ثلاث حقب هي: حقبة جبل حفيت يمتد من 3200 ق·م الى حوالى 2500 ق· منسبة للمدافن التي عثر عليها في جبل حفيت قرب العين والتي تشبه بتكوينها خلايا النحل، ويتزامن تاريخها من ازدهار صناعة النحاس الذي تم تعدينه وربما كان ذلك لتصديره الى بلاد الرافدين، وشهدت تلك الحقبة انشاء مستوطنة زراعية ضخمة في العين تقوم على زراعة الذرة والقمح، ويعتبر جبل حفيت من أهم مواقع تلك الحقبة، يليه في الأهمية موقع الهيلي والذي شكل فيما سبق مستوطنة قديمة، وموقع جبل إميلح قرب منطقة الذيد وهو عبارة عن قبور جماعية شكلت مرحلة انتقالية للفترة التي اعقبتها·
* حقبة أم النار
سميت كذلك لوجود عدة مدافن جماعية ضخمة من الحجارة في جزيرة ام النار القريبة من أبوظبي تعود الى ما بين 2500 و2000 ق·م، وشهدت قيام روابط تجارية متينة مع حضارتي بلاد الرافدين وحضارة هرابا في وادي السند، وامتدت جغرافيتها حتى اراضي عمان واستوعبت ما يفوق 200 مدفن في جميع انحاء البلاد، ومن ابرز المواقع التي تعود لهذه الحقبة هي أم النار وتضم مستوطنة ومدافن، حدائق هيلي عبارة عن قبر دائري اعيد بناؤه، تل ابرق ، وهو برج محصن يبلغ قطره 40 متراً، شمل في رأس الخيمة وفيه قبران جماعيان وموقعان في كلبا و البدية في إماراتي الشارقة والفجيرة على التوالي كل واحد منهما عبارة عن برج دائري·
* حقبة وادي سوق
وتمتد من حوالي 2000 الى 1300 ق·م، واكتسبت تسميتها من أحد المواقع الكائنة في وادي سوق بين العين وساحل عمان، وقد شهدت هذه الحقبة تغييرا في أنماط التجارة مع الدول الاخرى، وقد عثر في القبور المنقبة من هذه الحقبة على أجمل الجواهر المشغولة من الذهب والفضة في مواقع عديدة منها القطارة في العين و البدية و بثنة و قذفة في الفجيرة و كلبا في الشارقة وهذه المواقع عبارة عن مستوطنات وقبور وحصون بأشكال مختلفة·
* العصر الحديدي
انبثق هذا العصر كما تشير البحوث عن حقبة وادي سوق للفترة ما بين 1300 الى 300 ق·م، وسجل فيه اول ظهور للحديد في المنطقة قرابة 900- 800 ق·م، وتميز هذا العصر بأول استخدام لنظام الافلاج الذي اتاح استخراج المياه الجوفية ومواصلة الزراعة في مناخ بات اكثر جفافا، وشهد هذا العصر اول ظهور للكتابة في الإمارات، ومن مواقع هذا العصر : رميلة و جرن بنت سعود في العين و الثقيبة و ام صفاة في الشارقة وهذه المواقع عبارة عن قرى كانت تستخدم نظام الافلاج، وموقع مويلح في الشارقة وشكل قديماً مستوطنة صحراوية وفيها عثر على اول دليل على وجود الحديد واستخدام الكتابة في الإمارات، وتوجد من هذا العصر قلاع مبنية على قمم التلال في حصن مضب بإمارة الفجيرة·
* الحقبة الهيلينية - البارثية
وتأثرت هذه الحقبة بالدول الهيلينية التي خلفت الاسكندر المقدوني وشهدت قيام روابط تجارية مع منطقة البحر المتوسط وبالخصوص مع روما واليونان، وعثر على ادلة تشير الى قيام الحكام المحليين ولأول مرة بــــ سك النقود ، ومن مواقعها مليحة قرب منطقة الذيد وفيها عثر على قالب لسك النقود، الدور في أم القيوين وفيها وجدت حصون ومعابد متعددة، ويمتد عمر هذه الحقبة الى حوالي عام 300 للميلاد·
* فترة ما قبل الإسلام
وتمتد من حوالي 300 م الى 650 م وتمثل المرحلة الاخيرة التي سبقت ظهور الاسلام ووقوع المناطق الساحلية للإمارات تحت نفوذ الامبراطورية الساسانية في إيران، واول انتشار للديانة المسيحية في المنطقة، وبزوغ رأس الخيمة ودبا كموانىء رئيسية للمتاجرة مع الشرق الاقصى، ومن أهم المواقع المكتشفة من هذه الفترة: صير بني ياس في ابوظبي ووجد فيه دير مسيحي يعود الى ما قبل الاسلام، كوش في رأس الخيمة وعثر فيه على معقل حربي ساساني·
* العصر الاسلامي
ويمتد من ظهور الاسلام الى حوالي القرن الثالث عشر الميلادي، ويوضح هذا العصر انضمام الامارات تحت راية الدولة الاسلامية وكيف ان جيوش المسلمين التي ابحرت من رأس الخيمة تمكنت من قهر الجيوش الساسانية في إيران واتجهت صوب افغانستان وآسيا الوسطى، وشهدت هذه الفترة مشاركة دبي ورأس الخيمة وعلى نطاق واسع في التجارة مع المحيط الهندي، ومن المواقع المهمة لهذه الفترة : الجميرة في دبي ووجدت فيها آثار مدينة تعود لأوائل العصر العباسي، حليلة في رأس الخيمة وهي عبارة عن آثار مستوطنة تجارية·
* العصر الاسلامي المتأخر
ويمتد الى القرن التاسع عشر الميلادي وشهد نهاية لصناعة تعدين النحاس التي دامت 4500 سنة مع قدوم القوى الاستعمارية الاوروبية الى المنطقة وزعزعة الطرق التجارية القديمة، وعاش في هذا العصر واحد من ابرز الشخصيات الاماراتية وهو الملاح احمد بن ماجد، ويدل وجود كميات كبيرة من السيراميك الشرقي على الروابط التجارية المتينة مع البلدان الاخرى في تلك السنين، ومن المواقع الآثارية لهذه الفترة : جلفار في رأس الخيمة وفيها قامت مستوطنة كبيرة لا تزال ملامحها واضحة للآن، البدية في الفجيرة وفيها اقدم مسجد مستخدم للآن في الإمارات، دلما في أبوظبي وابنيتها المعمارية ذات الطراز المحلي ما زالت قائمة·