بسم الله الرحمن الرحيم
في احد الموقع وانا اتصفح قلت ليش ما اي ب حق اخواني المسلمين مابطول المهم؟
كتبه: هشام بن مهدي لكصاص
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه .
وبعد
لاشك أن منزلة القلب في البدن منزلة عظيمة إذ هو الملك وباقي الأعضاء جنوده يأتمرون بأمره ويستعملها فيما شاء فهي تحت عبوديته وقهره وتكتسب منه الاستقامة والزيغ وتتبعه فيما يعقده من العزم أو يحله فإن صلح القلب صلحت الجوارح وإن فسد القلب فسدت الجوارح كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :" ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".
كما أن الخطاب القرآني كثيرا ما يخاطب القلوب (( أم لهم قلوب لا يعقلون بها )) و قال الله تعالى (( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)).بل القلب هو الميزان غداً يوم القيامة كما قال تعالى ((إلا من أتى الله بقلب سليم )).
ولما كان القلب معرض للفتن كم في حديث حذيفة بن اليمان :" تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء وأي قلب لم يشربها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تصير القلوب على قلبين قلب أسود مرباداً كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه وقلب أبيض فلا تضره فتنة مادامت السموات والأرض".
من هذا المنطلق ينبغي للمسلم أن يعرف علامات القلب السليم والقلب المريض المفتون ، يعرف القلب السليم فيحرص أن يكون قلبه على شاكلته صحيحا سليما وأن يعرف القلب المريض وصفاته حتى يحذر من أن يكون قلبه كذلك ثم إن قدر أنه كذلك يسعى في إصلاحه ومداواته بالأدوية الشرعية الربانية .
ولقد بين العلامة ابن القيم في كتابه "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" صفات القلبين المريض والسليم وعلامات الصحة والمرض فقال رحمه الله (1/83-89):
"الباب العاشر
في علامات مرض القلب وصحته
كل عضو من أعضاء البدن خلق لفعل خاص به كماله في حصول ذلك الفعل منه ومرضه أن يتعذر عليه الفعل الذي خلق له حتى لا يصدر منه أو يصدر مع نوع من الاضطراب
فمرض اليد أن يتعذر عليها البطش
ومرض العين أن يتعذر عليها النظر والرؤية
ومرض اللسان أن يتعذر عليه النطق
ومرض البدن أن يتعذر عليه حركته الطبيعية أو يضعف عنها
ومرض القلب أن يتعذر عليه ما خلق له من معرفة الله ومحبته والشوق إلى لقائه والإنابة إليه وإيثار ذلك على كل شهوة
فلو عرف العبد كل شيء ولم يعرف ربه فكأنه لم يعرف شيئا ولو نال كل حظ من حظوظ الدنيا ولذاتها وشهواتها ولم يظفر بمحبة الله والشوق إليه والأنس به فكأنه لم يظفر بلذة ولا نعيم ولا قرة عين
بل إذا كان القلب خاليا عن ذلك عادت تلك الحظوظ واللذات عذابا له ولابد فيصير معذبا بنفس ما كان منعما به من جهتين من جهة حسرة فوته وأنه حيل بينه وبينه مع شدة تعلق روحه به
ومن جهة فوت ما هو خير له وأنفع وأدوم حيث لم يحصل له فالمحبوب الحاصل فات والمحبوب الأعظم لم يظفر به وكل من عرف الله أحبه وأخلص العبادة له ولا بد ولم يؤثر عليه شيئا من المحبوبات
فمن آثر عليه شيئا من المحبوبات فقلبه مريض كما أن المعدة إذا اعتادت أكل الخبيث وآثرته على الطيب سقطت عنها شهوة الطيب وتعوضت بمحبة غيره
وقد يمرض القلب ويشتد مرضه ولا يعرف به صاحبه لاشتغاله وانصرافه عن معرفة صحته وأسبابها
بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته وعلامة ذلك أنه لا تؤلمه جراحات القبائح ولا يوجعه جهله بالحق وعقائده الباطلة
فإن القلب إذا كان فيه حياة تألم بورود القبيح عليه وتألم بجهله بالحق بحسب حياته
وما لجرح بميت إيلام
وقد يشعر بمرضه ولكن يشتد عليه تحمل مرارة الدواء والصبر عليها فهو يؤثر بقاء الداء على مشقة الدواء
فإن دواءه في مخالفة الهوى وذلك أصعب شيء على النفس وليس لها أنفع منه
وتارة يوطن نفسه على الصبر ثم ينفسخ عزمه ولا يستمر معه لضعف علمه وبصيرته وصبره كمن دخل في طريق مخوف مفض إلى غاية الأمن وهو يعلم أنه إن صبر عليه انقضى الخوف وأعقبه الأمن فهو محتاج إلى قوة صبر وقوة يقين بما يصير إليه
ومتى ضعف صبره ويقينه رجع من الطريق ولم يتحمل مشقتها ولا سيما إن عدم الرفيق واستوحش من الوحدة وجعل يقول أين ذهب الناس فلي بهم أسوة.
وهذه حال أكثر الخلق وهي التي أهلكتهم فالبصير الصادق لا يستوحش من قلة الرفيق ولا من فقده
إذا استشعر قلبه مرافقة الرعيل الأول الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا فتفرد العبد في طريق طلبه دليل على صدق الطلب
ولقد سئل إسحاق بن راهويه عن مسألة فأجاب فقيل له إن أخاك أحمد بن حنبل يقول فيها بمثل ذلك فقال ما ظننت أن أحدا يوافقني عليها ولم يستوحش بعد ظهور الصواب له من عدم الموافقة
فإن الحق إذا لاح وتبين لم يحتج إلى شاهد يشهد به والقلب يبصر الحق كما تبصر العين الشمس فإذا رأى الرائي الشمس لم يحتج في علمه بها واعتقاده أنها طالعة إلى من يشهد بذلك ويوافقة عليه
وما أحسن ما قال أبو محمد عبدالرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة في كتاب الحوادث والبدع حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه وإن كان الممتسك به قليلا والمخالف له كثيرا لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبيوأصحابه ولا نظر إلى كثرة أهل البدع بعدهم
قال عمرو بن ميمون الأودي صحبت معاذا باليمن فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام ثم صحبت بعده أفقه الناس عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فسمعته يقول عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ثم سمعته يوما من الأيام وهو يقول سيلي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها فصلوا الصلاة لميقاتها فهي الفريضة وصلوا معهم فإنها لكم نافلة قال قلت يا أصحاب محمد ما أدري ما تحدثونا قال وماذاك قلت تأمرني بالجماعة وتحضني عليها ثم تقول صل الصلاة وحدك وهي الفريضة وصل مع الجماعة وهي نافلة قال يا عمرو بن ميمون قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية تدري ما الجماعة قلت لا قال إن جمهور الجماعة الذين فارقوا الجماعة الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك
وفي طريق أخرى فضرب على فخذي وقال ويحك إن جمهور الناس فارقوا الجماعة وإن الجماعة ما وافق طاعة الله عز وجل
قال نعيم بن حماد يعني إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذ ذكره البيهقي وغيره
وقال أبو شامة عن مبارك عن الحسن البصري قال السنة والذي لا إله إلا هو بين الغالي والجافي فاصبروا عليها رحمكم الله فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى وهم أقل الناس فيما بقي الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم ولا مع أهل البدع في بدعهم وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم فكذلك إن شاء الله فكونوا
وكان محمد بن أسلم الطوسي الإمام المتفق على إمامته مع رتبته أتبع الناس للسنة في زمانه حتى قال ما بلغني سنة عن رسول الله إلا عملت بها ولقد حرصت على أن أطوف بالبيت راكبا فما مكنت من ذلك فسئل بعض أهل العلم في زمانه عن السواد الأعظم الذين جاء فيهم الحديث إذا اختلف الناس فعليكم بالسواد الأعظم فقال محمد بن أسلم الطوسي هو السواد الأعظم
وصدق والله فإن العصر إذا كان فيه عارف بالسنة داع إليها فهو الحجة وهو الإجماع وهو السوار الأعظم وهو سبيل المؤمنين التي من فارقها واتبع سواها ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا
والمقصود أن من علامات أمراض القلوب عدولها عن الأغذية النافعة الموافقة لها إلى الأغذية الضارة وعدولها عن دوائها النافع إلى دائها الضار
فهنا أربعة أمور غذاء نافع ودواء شاف وغذاء ضار ودواء مهلك
فالقلب الصحيح يؤثر النافع الشافي على الضار المؤذي والقلب المريض بضد ذلك
وأنفع الأغذية غذاء الإيمان وأنفع الأدوية دواء القرآن وكل منهما فيه الغذاء والدواء
ومن علامات صحته ايضا أن يرتحل عن الدنيا حتى ينزل بالآخرة ويحل فيها حتى يبقى كأنه من أهلها وأبنائها جاء إلى هذه الدار غريبا يأخذ منها حاجته ويعود إلى وطنه كما قال عليه السلام لعبد الله بن عمر كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعد نفسك من أهل القبور
فحي على جنات عدن فإنها ++منازلك الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى++ نعود إلى أوطاننا ونسلم
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه إن الدنيا قد ترحلت مدبرة وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل
وكلما صح القلب من مرضه ترحل إلى الآخرة وقرب منها حتى يصير من أهلها وكلما مرض القلب واعتل آثر الدنيا واستوطنها حتى يصير من أهلها
ومن علامات صحة القلب أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى ينيب إلى الله ويخبت إليه ويتعلق به تعلق المحب المضطر إلى محبوبه الذي لا حياة له ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا برضاه وقربه والأنس به فبه يطمئن وإليه يسكن وإليه يأوي وبه يفرح وعليه يتوكل وبه يثق وأياه يرجو وله يخاف فذكره قوته وغذاؤه ومحبته والشوق إليه حياته ونعيمه ولذته وسروره والالتفاف إلى غيره والتعلق بسواه داؤه والرجوع اليه دواؤه
فإذا حصل له ربه سكن إليه واطمأن به وزال ذلك الاضطراب والقلق وانسدت تلك الفاقة فإن في القلب فاقة لا يسدها شيء سوى الله تعالى أبدا وفيه شعث لا يلمه غير الإقبال عليه وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاص له وعبادته وحده فهو دائما يضرب على صاحبه حتى يسكن ويطمئن إلى الهه ومعبوده فحينئذ يباشر روح الحياة ويذوق طعمها ويصير له حياة أخرى غير حياة الغافلين المعرضين عن هذا الأمر الذي له خلق الخلق ولأجله خلقت الجنة والنار وله أرسلت الرسل ونزلت الكتب ولو لم يكن جزاء إلا نفس وجوده لكفى به جزاء وكفى بفوته حسرة وعقوبة
قال بعض العارفين مساكين أهل الدينا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها قيل وما أطيب ما فيها قال محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه والتنعم بذكره وطاعته
وقال آخر إنه ليمر بي أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب
وقال آخر والله ما طابت الدنيا إلا بمحبته وطاعته ولا الجنة إلا برؤيته ومشاهدته
وقال أبو الحسين الوراق حياة القلب في ذكر الحي الذي لا يموت والعيش الهني الحياة مع الله تعالى لا غير ولهذا كان الفوت عند العارفين بالله أشد عليهم من الموت لأن الفوت انقطاع عن الحق والموت انقطاع عن الخلق فكم بين الانقطاعين
وقال آخر من قرت عينه بالله تعالى قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطع قلبه على الدنيا حسرات
وقال يحيى بن معاذ من سر بخدمة الله سرت الأشياء كلها بخدمته ومن قرت عينه بالله قرت عيون كل أحد بالنظر إليه
ومن علامات صحة القلب أن لا يفتر عن ذكر ربه ولا يسأم من خدمته ولا يأنس بغيره إلا بمن يدله عليه ويذكره به ويذاكره بهذا الأمر
ومن علامات صحته أنه إذا فاته ورده وجد لفواته ألما أعظم من تألم الحريص بفوات ماله وفقده
ومن علامات صحته أنه يشتاق إلى الخدمة كما يشتاق الجائع إلى الطعام والشراب
ومن علامات صحته أنه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همه وغمه بالدنيا واشتد عليه خروجه منها ووجد فيها راحته ونعيمه وقرت عينه وسرور قلبه
ومن علامات صحته أن يكون همه واحدا وأن يكون في الله
ومن علامات صحته أن يكون أشح بوقته أن يذهب ضائعا من أشد الناس شحا بماله
ومنها أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أعظم منه بالعمل فيحرص على الإخلاص فيه والنصحية والمتابعة والإحسان ويشهد مع ذلك منة الله عليه فيه وتقصيره في حق الله
فهذه ست مشاهد لا يشهدها إلا القلب الحي السليم
وبالجملة فالقلب الصحيح هو الذي همه كله في الله وحبه كله له وقصده له وبدنه له وأعماله له ونومه له ويقظته له وحديثه والحديث عنه أشهى إليه من كل حديث وأفكاره تحوم على مراضيه ومحابه الخلوة به آثر عنده من الخلطة إلا حيث تكون الخلطة أحب إليه وأرضى له قرة عينه به وطمأنينته وسكونه إليه فهو كلما وجد من نفسه التفاتا إلى غيره تلا عليها
(يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية )
فهو يردد عليها الخطاب بذلك ليسمعه من ربه يوم لقائه فينصبغ القلب بين يدي إلهه ومعبوده الحق بصبغة العبودية فتصير العبودية صفة له وذوقا لا تكلفا فيأتي بها توددا وتحببا وتقربا كما يأتي المحب المقيم في محبة محبوبه بخدمته وقضاء أشغاله
فكلما عرض له أمر من ربه أو نهي أحس من قلبه ناطقا ينطق لبيك وسعديك إني سامع مطيع ممتثل ولك علي المنة في ذلك والحمد فيه عائد إليك
وإذا أصابه قدر وجد من قلبه ناطقا يقول أنا عبدك ومسكينك وفقيرك وأنا عبدك الفقير العاجز الضعيف المسكين وأنت ربي العزيز الرحيم لا صبر لي إن لم تصبرني ولا قوة لي إن لم تحملني وتقوني لا ملجأ لي منك إلا إليك ولا مستعان لي إلا بك ولا انصراف لي عن بابك ولا مذهب لي عنك
فينطرح بمجموعه بين يديه ويعتمد بكليته عليه فإن أصابه بما يكره قال رحمة أهديت إلي ودواء نافع من طبيب مشفق وإن صرف عنه ما يحب قال شرا صرف عني
وكم رمت أمرا خرت لي في انصرافه+ وما زلت بي منى أبر وأرحما
فكل ما مسه به من السراء والضراء اهتدى بها طريقا إليه وانفتح له منه باب يدخل منه عليه كما قيل
ما مسني قدر بكره أو رضى+ إلا اهتديت به إليك طريقا
أمض القضاء على الرضى منى به +إني وجدتك في البلاء رفيقا
ولله هاتيك القلوب وما انطوت عليه من الضمائر وماذا أودعته من الكنوز والذخائر ولله طيب أسرارها ولا سيما يوم تبلى السرائر
سيبدو لها طيب ونور وبهجة +وحسن ثناء يوم تبلى السرائر
بالله لقد رفع لها علم عظيم فشمرت إليه واستبان لها صراط مستقيم فاستقامت عليه ودعاها ما دون مطلوبها الأعلى فلم تستجب إليه واختارت على ما سواه وآثرت ما لديه ".
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا قلوبا صحيحة خاشعة منيبة راضية مرضية ترجو رحمته وتخاف عذابه إنه هو الرحمن الرحيم.
في احد الموقع وانا اتصفح قلت ليش ما اي ب حق اخواني المسلمين مابطول المهم؟
كتبه: هشام بن مهدي لكصاص
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه .
وبعد
لاشك أن منزلة القلب في البدن منزلة عظيمة إذ هو الملك وباقي الأعضاء جنوده يأتمرون بأمره ويستعملها فيما شاء فهي تحت عبوديته وقهره وتكتسب منه الاستقامة والزيغ وتتبعه فيما يعقده من العزم أو يحله فإن صلح القلب صلحت الجوارح وإن فسد القلب فسدت الجوارح كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :" ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".
كما أن الخطاب القرآني كثيرا ما يخاطب القلوب (( أم لهم قلوب لا يعقلون بها )) و قال الله تعالى (( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)).بل القلب هو الميزان غداً يوم القيامة كما قال تعالى ((إلا من أتى الله بقلب سليم )).
ولما كان القلب معرض للفتن كم في حديث حذيفة بن اليمان :" تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء وأي قلب لم يشربها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تصير القلوب على قلبين قلب أسود مرباداً كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه وقلب أبيض فلا تضره فتنة مادامت السموات والأرض".
من هذا المنطلق ينبغي للمسلم أن يعرف علامات القلب السليم والقلب المريض المفتون ، يعرف القلب السليم فيحرص أن يكون قلبه على شاكلته صحيحا سليما وأن يعرف القلب المريض وصفاته حتى يحذر من أن يكون قلبه كذلك ثم إن قدر أنه كذلك يسعى في إصلاحه ومداواته بالأدوية الشرعية الربانية .
ولقد بين العلامة ابن القيم في كتابه "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" صفات القلبين المريض والسليم وعلامات الصحة والمرض فقال رحمه الله (1/83-89):
"الباب العاشر
في علامات مرض القلب وصحته
كل عضو من أعضاء البدن خلق لفعل خاص به كماله في حصول ذلك الفعل منه ومرضه أن يتعذر عليه الفعل الذي خلق له حتى لا يصدر منه أو يصدر مع نوع من الاضطراب
فمرض اليد أن يتعذر عليها البطش
ومرض العين أن يتعذر عليها النظر والرؤية
ومرض اللسان أن يتعذر عليه النطق
ومرض البدن أن يتعذر عليه حركته الطبيعية أو يضعف عنها
ومرض القلب أن يتعذر عليه ما خلق له من معرفة الله ومحبته والشوق إلى لقائه والإنابة إليه وإيثار ذلك على كل شهوة
فلو عرف العبد كل شيء ولم يعرف ربه فكأنه لم يعرف شيئا ولو نال كل حظ من حظوظ الدنيا ولذاتها وشهواتها ولم يظفر بمحبة الله والشوق إليه والأنس به فكأنه لم يظفر بلذة ولا نعيم ولا قرة عين
بل إذا كان القلب خاليا عن ذلك عادت تلك الحظوظ واللذات عذابا له ولابد فيصير معذبا بنفس ما كان منعما به من جهتين من جهة حسرة فوته وأنه حيل بينه وبينه مع شدة تعلق روحه به
ومن جهة فوت ما هو خير له وأنفع وأدوم حيث لم يحصل له فالمحبوب الحاصل فات والمحبوب الأعظم لم يظفر به وكل من عرف الله أحبه وأخلص العبادة له ولا بد ولم يؤثر عليه شيئا من المحبوبات
فمن آثر عليه شيئا من المحبوبات فقلبه مريض كما أن المعدة إذا اعتادت أكل الخبيث وآثرته على الطيب سقطت عنها شهوة الطيب وتعوضت بمحبة غيره
وقد يمرض القلب ويشتد مرضه ولا يعرف به صاحبه لاشتغاله وانصرافه عن معرفة صحته وأسبابها
بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته وعلامة ذلك أنه لا تؤلمه جراحات القبائح ولا يوجعه جهله بالحق وعقائده الباطلة
فإن القلب إذا كان فيه حياة تألم بورود القبيح عليه وتألم بجهله بالحق بحسب حياته
وما لجرح بميت إيلام
وقد يشعر بمرضه ولكن يشتد عليه تحمل مرارة الدواء والصبر عليها فهو يؤثر بقاء الداء على مشقة الدواء
فإن دواءه في مخالفة الهوى وذلك أصعب شيء على النفس وليس لها أنفع منه
وتارة يوطن نفسه على الصبر ثم ينفسخ عزمه ولا يستمر معه لضعف علمه وبصيرته وصبره كمن دخل في طريق مخوف مفض إلى غاية الأمن وهو يعلم أنه إن صبر عليه انقضى الخوف وأعقبه الأمن فهو محتاج إلى قوة صبر وقوة يقين بما يصير إليه
ومتى ضعف صبره ويقينه رجع من الطريق ولم يتحمل مشقتها ولا سيما إن عدم الرفيق واستوحش من الوحدة وجعل يقول أين ذهب الناس فلي بهم أسوة.
وهذه حال أكثر الخلق وهي التي أهلكتهم فالبصير الصادق لا يستوحش من قلة الرفيق ولا من فقده
إذا استشعر قلبه مرافقة الرعيل الأول الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا فتفرد العبد في طريق طلبه دليل على صدق الطلب
ولقد سئل إسحاق بن راهويه عن مسألة فأجاب فقيل له إن أخاك أحمد بن حنبل يقول فيها بمثل ذلك فقال ما ظننت أن أحدا يوافقني عليها ولم يستوحش بعد ظهور الصواب له من عدم الموافقة
فإن الحق إذا لاح وتبين لم يحتج إلى شاهد يشهد به والقلب يبصر الحق كما تبصر العين الشمس فإذا رأى الرائي الشمس لم يحتج في علمه بها واعتقاده أنها طالعة إلى من يشهد بذلك ويوافقة عليه
وما أحسن ما قال أبو محمد عبدالرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة في كتاب الحوادث والبدع حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه وإن كان الممتسك به قليلا والمخالف له كثيرا لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبيوأصحابه ولا نظر إلى كثرة أهل البدع بعدهم
قال عمرو بن ميمون الأودي صحبت معاذا باليمن فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام ثم صحبت بعده أفقه الناس عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فسمعته يقول عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ثم سمعته يوما من الأيام وهو يقول سيلي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها فصلوا الصلاة لميقاتها فهي الفريضة وصلوا معهم فإنها لكم نافلة قال قلت يا أصحاب محمد ما أدري ما تحدثونا قال وماذاك قلت تأمرني بالجماعة وتحضني عليها ثم تقول صل الصلاة وحدك وهي الفريضة وصل مع الجماعة وهي نافلة قال يا عمرو بن ميمون قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية تدري ما الجماعة قلت لا قال إن جمهور الجماعة الذين فارقوا الجماعة الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك
وفي طريق أخرى فضرب على فخذي وقال ويحك إن جمهور الناس فارقوا الجماعة وإن الجماعة ما وافق طاعة الله عز وجل
قال نعيم بن حماد يعني إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذ ذكره البيهقي وغيره
وقال أبو شامة عن مبارك عن الحسن البصري قال السنة والذي لا إله إلا هو بين الغالي والجافي فاصبروا عليها رحمكم الله فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى وهم أقل الناس فيما بقي الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم ولا مع أهل البدع في بدعهم وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم فكذلك إن شاء الله فكونوا
وكان محمد بن أسلم الطوسي الإمام المتفق على إمامته مع رتبته أتبع الناس للسنة في زمانه حتى قال ما بلغني سنة عن رسول الله إلا عملت بها ولقد حرصت على أن أطوف بالبيت راكبا فما مكنت من ذلك فسئل بعض أهل العلم في زمانه عن السواد الأعظم الذين جاء فيهم الحديث إذا اختلف الناس فعليكم بالسواد الأعظم فقال محمد بن أسلم الطوسي هو السواد الأعظم
وصدق والله فإن العصر إذا كان فيه عارف بالسنة داع إليها فهو الحجة وهو الإجماع وهو السوار الأعظم وهو سبيل المؤمنين التي من فارقها واتبع سواها ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا
والمقصود أن من علامات أمراض القلوب عدولها عن الأغذية النافعة الموافقة لها إلى الأغذية الضارة وعدولها عن دوائها النافع إلى دائها الضار
فهنا أربعة أمور غذاء نافع ودواء شاف وغذاء ضار ودواء مهلك
فالقلب الصحيح يؤثر النافع الشافي على الضار المؤذي والقلب المريض بضد ذلك
وأنفع الأغذية غذاء الإيمان وأنفع الأدوية دواء القرآن وكل منهما فيه الغذاء والدواء
ومن علامات صحته ايضا أن يرتحل عن الدنيا حتى ينزل بالآخرة ويحل فيها حتى يبقى كأنه من أهلها وأبنائها جاء إلى هذه الدار غريبا يأخذ منها حاجته ويعود إلى وطنه كما قال عليه السلام لعبد الله بن عمر كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعد نفسك من أهل القبور
فحي على جنات عدن فإنها ++منازلك الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى++ نعود إلى أوطاننا ونسلم
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه إن الدنيا قد ترحلت مدبرة وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل
وكلما صح القلب من مرضه ترحل إلى الآخرة وقرب منها حتى يصير من أهلها وكلما مرض القلب واعتل آثر الدنيا واستوطنها حتى يصير من أهلها
ومن علامات صحة القلب أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى ينيب إلى الله ويخبت إليه ويتعلق به تعلق المحب المضطر إلى محبوبه الذي لا حياة له ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا برضاه وقربه والأنس به فبه يطمئن وإليه يسكن وإليه يأوي وبه يفرح وعليه يتوكل وبه يثق وأياه يرجو وله يخاف فذكره قوته وغذاؤه ومحبته والشوق إليه حياته ونعيمه ولذته وسروره والالتفاف إلى غيره والتعلق بسواه داؤه والرجوع اليه دواؤه
فإذا حصل له ربه سكن إليه واطمأن به وزال ذلك الاضطراب والقلق وانسدت تلك الفاقة فإن في القلب فاقة لا يسدها شيء سوى الله تعالى أبدا وفيه شعث لا يلمه غير الإقبال عليه وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاص له وعبادته وحده فهو دائما يضرب على صاحبه حتى يسكن ويطمئن إلى الهه ومعبوده فحينئذ يباشر روح الحياة ويذوق طعمها ويصير له حياة أخرى غير حياة الغافلين المعرضين عن هذا الأمر الذي له خلق الخلق ولأجله خلقت الجنة والنار وله أرسلت الرسل ونزلت الكتب ولو لم يكن جزاء إلا نفس وجوده لكفى به جزاء وكفى بفوته حسرة وعقوبة
قال بعض العارفين مساكين أهل الدينا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها قيل وما أطيب ما فيها قال محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه والتنعم بذكره وطاعته
وقال آخر إنه ليمر بي أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب
وقال آخر والله ما طابت الدنيا إلا بمحبته وطاعته ولا الجنة إلا برؤيته ومشاهدته
وقال أبو الحسين الوراق حياة القلب في ذكر الحي الذي لا يموت والعيش الهني الحياة مع الله تعالى لا غير ولهذا كان الفوت عند العارفين بالله أشد عليهم من الموت لأن الفوت انقطاع عن الحق والموت انقطاع عن الخلق فكم بين الانقطاعين
وقال آخر من قرت عينه بالله تعالى قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطع قلبه على الدنيا حسرات
وقال يحيى بن معاذ من سر بخدمة الله سرت الأشياء كلها بخدمته ومن قرت عينه بالله قرت عيون كل أحد بالنظر إليه
ومن علامات صحة القلب أن لا يفتر عن ذكر ربه ولا يسأم من خدمته ولا يأنس بغيره إلا بمن يدله عليه ويذكره به ويذاكره بهذا الأمر
ومن علامات صحته أنه إذا فاته ورده وجد لفواته ألما أعظم من تألم الحريص بفوات ماله وفقده
ومن علامات صحته أنه يشتاق إلى الخدمة كما يشتاق الجائع إلى الطعام والشراب
ومن علامات صحته أنه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همه وغمه بالدنيا واشتد عليه خروجه منها ووجد فيها راحته ونعيمه وقرت عينه وسرور قلبه
ومن علامات صحته أن يكون همه واحدا وأن يكون في الله
ومن علامات صحته أن يكون أشح بوقته أن يذهب ضائعا من أشد الناس شحا بماله
ومنها أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أعظم منه بالعمل فيحرص على الإخلاص فيه والنصحية والمتابعة والإحسان ويشهد مع ذلك منة الله عليه فيه وتقصيره في حق الله
فهذه ست مشاهد لا يشهدها إلا القلب الحي السليم
وبالجملة فالقلب الصحيح هو الذي همه كله في الله وحبه كله له وقصده له وبدنه له وأعماله له ونومه له ويقظته له وحديثه والحديث عنه أشهى إليه من كل حديث وأفكاره تحوم على مراضيه ومحابه الخلوة به آثر عنده من الخلطة إلا حيث تكون الخلطة أحب إليه وأرضى له قرة عينه به وطمأنينته وسكونه إليه فهو كلما وجد من نفسه التفاتا إلى غيره تلا عليها
(يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية )
فهو يردد عليها الخطاب بذلك ليسمعه من ربه يوم لقائه فينصبغ القلب بين يدي إلهه ومعبوده الحق بصبغة العبودية فتصير العبودية صفة له وذوقا لا تكلفا فيأتي بها توددا وتحببا وتقربا كما يأتي المحب المقيم في محبة محبوبه بخدمته وقضاء أشغاله
فكلما عرض له أمر من ربه أو نهي أحس من قلبه ناطقا ينطق لبيك وسعديك إني سامع مطيع ممتثل ولك علي المنة في ذلك والحمد فيه عائد إليك
وإذا أصابه قدر وجد من قلبه ناطقا يقول أنا عبدك ومسكينك وفقيرك وأنا عبدك الفقير العاجز الضعيف المسكين وأنت ربي العزيز الرحيم لا صبر لي إن لم تصبرني ولا قوة لي إن لم تحملني وتقوني لا ملجأ لي منك إلا إليك ولا مستعان لي إلا بك ولا انصراف لي عن بابك ولا مذهب لي عنك
فينطرح بمجموعه بين يديه ويعتمد بكليته عليه فإن أصابه بما يكره قال رحمة أهديت إلي ودواء نافع من طبيب مشفق وإن صرف عنه ما يحب قال شرا صرف عني
وكم رمت أمرا خرت لي في انصرافه+ وما زلت بي منى أبر وأرحما
فكل ما مسه به من السراء والضراء اهتدى بها طريقا إليه وانفتح له منه باب يدخل منه عليه كما قيل
ما مسني قدر بكره أو رضى+ إلا اهتديت به إليك طريقا
أمض القضاء على الرضى منى به +إني وجدتك في البلاء رفيقا
ولله هاتيك القلوب وما انطوت عليه من الضمائر وماذا أودعته من الكنوز والذخائر ولله طيب أسرارها ولا سيما يوم تبلى السرائر
سيبدو لها طيب ونور وبهجة +وحسن ثناء يوم تبلى السرائر
بالله لقد رفع لها علم عظيم فشمرت إليه واستبان لها صراط مستقيم فاستقامت عليه ودعاها ما دون مطلوبها الأعلى فلم تستجب إليه واختارت على ما سواه وآثرت ما لديه ".
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا قلوبا صحيحة خاشعة منيبة راضية مرضية ترجو رحمته وتخاف عذابه إنه هو الرحمن الرحيم.