بقلم-الدكتور- محمد عبدالله باسلامة - كان لليمن القديم دور حضاري، امتدت جذوره منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، وظهر نشاطه التاريخي خلال الألف الأولى قبل الميلاد وبداية العصر الميلادي من خلال ممالك سبأ ومعين وحضرموت وقتبان وأوسان وأخيرا مملكة حمير ( سبأ وذوريدان وحضرموت ويمانة) ولا يعرف بالتحديد بداية كل منها أو كيف اختفت ومتى انتهى بعضها، إلا أن اسم سبأ استمر منذ ظهورها حتى انتهاء دورها بعد الاحتلال الحبشي لليمن في القرن السادس للميلاد وظهور الإسلام، وقد تعاصرت بعض الدول أو أدخلت في كيانات سياسية في بعض الفترات، وكان لها وجود سياسي وجغرافي ومراكز حكمها، وتفاعلت مع بعضها البعض ومع دول الجوار بأنشطة حضارية مختلفة، نتج عن النشاط الحضاري لليمن القديم ظهور شواهد أثرية نقوش كتابية ونماذج فنية لأشكال آدمية وهندسية، بما فيها من عناصر حيوانية ونباتية وأدوات ورموز دينية، عملت من الطين وأنواع الأحجار الجيرية والكلسية والرخام والمرمر والبرونز ومن الخشب والعظم والزجاج.
إن أعمال الآثار ونقلها إلى الخارج مسألة قديمة ومستمرة، خاصة إذا ما علمنا أن المواقع الأثرية في اليمن كثيرة، وتحتاج إلى المزيد من الحرص والوعي لأهمية كل أثر، كما أن فقدان الأثر وعرضه أو الاحتفاظ به في كل بقعة من العالم يشكل نقصا في مدلوله العلمي والثقافي لدى الباحثين والمهتمين.
الممالك اليمنية القديمة
ينبغي أن يسبق المراحل التاريخية الحضارية لليمن القديم، ذكر لعصر التاريخ المبكر وعصر ما قبل التاريخ، وهما عصران لم تتضح بعد الصور الأولية لهما نظرا لقلة العمل الأثري في اليمن بهذا الخصوص. وقد أنبأت الشواهد القليلة المتوافرة عن فترات العصر البرونزي والعصر الحجري وهي الفترات السحيقة التي ينبغي أن تسبق في العادة عصر التاريخ القديم أو فترة الحضارة الراقية، بل يرجح أن بلاد اليمن قد شهدت مراحل التحولات الحضارية الأولى التي عهدت في بقاع معهد الحضارات المعروفة مثل حضارة ما بين النهرين وحضارة وادي النيل وحضارة بلاد الشام، فموقعها المجاور والملامس لتلك البقاع يقتضي أن تكون قد عرفت حضارة مبكرة تشكل امتدادا لها أو من بعض أصولها. غير أن اليمن لم تنل حظها من الجهود الأثرية التي نالتها تلك البقاع، ولذا كانت الدلائل الأثرية القليلة التي تؤمئ إلى تلك العصور السحيقة غير كافية، ولا بد من جهود كبيرة متضافرة ومسح آثاري شامل وتنقيب علمي منظم يتم في هذه البلاد حتى يتسنى لها إبراز شواهدها الحضارية وكتابة فصولها التاريخية منذ أقدم العصور.
ظهرت في اليمن حضارة عريقة، امتدت قيدما إلى معظم أجزاء الجزيرة العربية، ففي هذا الإقليم من بلاد العرب، قامت حضارة يعود قديماً آثارها إلى ماقبل الألف الأول قبل الميلاد، حضارة جذبت إليها أنظار العالم القديم وأثرت فيه، وبلغت من ذيوع الصيت ما جعل الكتاب الكلاسيكيين من أمثال سترابو وبلني وبطليموس يتحدثون عنها بكثير من الإعجاب والانبهار. ففي تلك العهود عاشت على مسرح الحوادث في العربية السعيدة ممالك في فترات متداخلة ومتعاقبة هي: سبأ ومعين وحضرموت وقتبان، ومملكة لم تظهر هويتها كاملة هي تلك التي كانت تدعى أوسان، والتي تبدو أنها كانت على الأغلب متعاصرة متعاونة أو متنافسة متناصرة، كل منها تستقل بنفسها تارة وتدين بالولاء لبعض جاراتها تارة أخرى.
وتنافست الممالك الأربع التي تختلف في قوتها، بعضها مع البعض الآخر. وفي نهاية القرن الثاني قبل الميلاد برزت سبأ قوة استطاعت أن تغزو معين، وكذلك أجزاء من مملكة قتبان الغربية، أما التهديد الخطير الوحيد لممالك اليمن فهو الذي جاء في حوالي ( 25-24ق، م) عندما سيطر الجيش الروماني بقيادة "اليوس جاليوس" aelius Gallus)) على مصر، ومن ثم تغلغل إلى الجنوب العربي بمساعدة أدلائهم من الأنباط، وهاجم الرومان نجران ومعين التي ربما فتحت أبوابها للأعداء. أما مأرب فقد صمدت وتراجع الرومان بسبب قلة الماء وانتشار الأمراض. وكان في خطط الإسكندر المقدوني القيام بحملة بسبب موته المبكر، أما مملكة قتبان فقد استمرت في ضعفها، فعاصمتها" تمنع" دمرت في الربع الأول للقرن الأول بعد الميلاد من قبل حضرموت، أما الأجزاء الأخرى لقتبان فقد سقطت في أيدي السبئيين وأهل حضرموت.
مملكة سبأ
مملكة سبأ هي الأقدم من بين الممالك اليمنية القديمة فتاريخ سبأ هو في الحقيقة سناد التاريخ اليمني القديم وعموده، ودولة سبأ في العصر الأول، هي أكبر وأهم تكوين سياسي فيه، وما تلك الدول التي تذكر معها سوى تكوينات سياسية كانت تدور في الغالب في فلكها، ترتبط بها حينا وتنفصل عنها حينا آخر، مثل دول معين وقتبان وحضرموت، أو تندمج معها لتكون دولة واحدة مثل حمير، والتي لقب ملوكها بملوك سبأ وذوريدان، وذوريدان هم حمير، وأرض سبأ في الأصل هي منطقة مأرب، وتمتد إلى الجوف شمالا، ثم ما تلاها من المرتفعات والهضبات إلى المشرق، مثل مناطق أرحب وخولان وقاع صنعاء وقاع البون كان موقع مأرب عاصمة مملكة سبأ في وادي سبأ على مشارف الصحراء يسيطر على طريق التجارة المهم المعروف بطريق اللبان.
وقد وصفت أرض (شبا) ( سبأ) في التوراة بأنها كانت تصدر اللبان وكانت ذات تجارة، وأن تجارها كانوا يتاجرون مع العبرانيين، واشتهرت قوافلها التجارية التي كانت ترد محملة بالأشياء النفسة. وتبين من المواضع التي ورد فيها ذكر السبئيين في التوارة أن معارف العبراينيين عنهم قد حصلوا عليها من اتصالهم التجاري معهم.
جاء في وصف حديث للمدينة ( مأرب وسبأ) والمنطقة المجاورة ما يأتي" وهناك وهدة واسعة وبالأخرى سلسلة من الوهاد المتقاربة على طول ( 160) ميلا إلى الشمال والشمال الشرقي من بلاد اليمن ويفصل هذه الوهاد عن هضبة صنعاء والمناطق الفاصلة من ( نهم وبلاد خولان) ويمتد هذا المنخفض الكبير غير المنتظم من الشمال إلىالجنوب منحدرا من هضبة اليمن .
بما فيها عسير, ويحاذيه من الشرق الكثبان العالية من الصحراء الشرقية الكبرى، ويدعى القسم الجنوبي من ذلك المنخفض بالجوف ( ويدعى كثيرا بجوف اليمن) وقد كان مركزا لحضارة السبئيين والمعينيين قديما. وسبأ أرض اليمن مدينتها مأرب بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام.
ورد سم سبأ دون غيرها من الممالك اليمنية القديمة في القرآن الكريم في سورة النمل وفي سورة تحمل اسمها ( سورة سبأ) وهو بذلك أول مصدر يعتد به في الحديث عن مملكة سبأ وقومها وما كانوا عليه من ديانة وأوضاع اجتماعية.
مملكة معين.
أقام المعينيون في الجوف مملكتهم، وفيه لا تزال خرائب حاضرتهم ( قرنو) التي تعرف باسم ( معين) باقية إلى اليوم، والجوف منفهق من الأرض ، تحيط به الجبال: برط والشعف واللوذ من الشمال، وسليام ثم يام من الجنوب وتفضي إليه أربعة أودية، أهمها وادي الخارد.
وقد ذكر الهمداني، مواضع كثيرة في منطقة الجوف مثل معين ونشق وبراقش. وكمنا وغيرها. وأقدم من ذكر المعينيين الجغرافي اليوناني "سترابو". نقلها من مصادر يونانية قديمة عندما عدد ممالك بلاد العرب الجنوبي، فقد ذكر مملكة المعينيين، وأن عاصمتهم هي قرنا( karna) وحسب وصف "سترابو"، تقع معين في الشمال إلى الجنوب منها سبأ وإلى الجنوب البعيد تقع قتبان وإلى الشرق منها كلها تقع حضرموت، ومعين اسم حصن ومدينة باليمن.
ويرى بعض العلماء أن مملكتي سبأ ومعين، قد وثقتا العلاقة بينهما، وأصبحت معين مستقلة حتى نهاية القرن الخامس قبل الميلاد، ومنذ القرن الرابع دخلت فترة طويلة من الازدهار والرخاء الاقتصادي، وخلال تلك الفترة سيطرت على معظم طرق التجارة، التي تستمر مدة شهرين في طريقها حتى تصل للبحر المتوسط..
ولتوفير الحماية لهذا الطرق فإن المعينيين أنشأوا مستعمراتهم بعيدا في الشمال الغربي للجزيرة العربية من منطقة واحات ددان.
وتوصل القائمون على الحفريات- على الرغم من عدم اكتمالها- إلى نتائج مهمة يتعلق البعض منها بتاريخ قتبان.
مملكة أوسان
اسم إحدى الممالك اليمنية القديمة، فقد جاء في النقوش السبئية والقتبانية "ملك/ أوسن" و"ملك أوسن"، وهو الاسم الذي أطلق على المنطقة الواقعة على ساحل خليج عدن وبعض المناطق الداخلية، ويرجع أن موطنها الأصلي في وادي مرخة. ويستفاد من نقش صرواح الكبير الذي يذكر أن "الملك المكرب" السبئي كرب إل وتار بن ذمار علي، قد قام بعدة حملات عسكرية داخلية خلال فترة حكمه "القرن السابع قبل الميلاد" يهدف منها إلى تثبيت السلطة المركزية لدولته وتأديب من خرج عنه.. وشملت حملاته مناطق أوسان وغيرها من المنطق الجنوبية حتى باب المندب.. ويستفاد من النقش أن ذلك الحاكم تمكن من إقامة دولة مركزية قوية انضوى تحت لوائها كل اليمن تقريباً.
حديث الوثائق
يستفاد من كتاب (المستشرقون وآثار ليمن) بجزأيه لمؤلفه د. محمد بافقيه 1988م أن الشخصية المهمة الذي يرد اسمه في رسائل الكتاب، هو "الكونت دي لندبرج" أو عمر السويدي (1848-1924) الذي زار اليمن مرات ما بين عام 1882م وعام 1894م وبلغ في إحداها مأرب تحت اسم الشيخ حسين.. ظل تطلعه الى اختراق المناطق الداخلية مشروعا على ورق الرسائل التي تبادلها مع أولي الشأن في تلك المناطق: (نصاب ويشم وبيحان وعدن وسقطرى وقشن والشحر والمكلا وبالحاف وحورة وعرقة وأحور وشقرة).
تشكل الرسائل إضافة مهمة الى حصيلتنا من الوثائق عن الفترة التي تعود إليها، وهي فترة شهدت تسارعا في وتيرة التغلل البريطاني في المناطق الداخلية من جنوب اليمن تغلغلا لعب فيه دورا ملحوظا المغامر البريطاني وإيمان بري (أو عبدالله منصور) الذي تردد اسمه في الرسائل أكثر من أي مخلوق آخر، وتغطي الرسائل العائدة إلى الأعوام من 1895-1911م مجمل الفترة التي ظل خلالها، بل وإلى ما وراءها قليلا، المستشرق السويدي الكونت كارلودي لندبرج على اتصال بمعاريفه اليمنيين، يلتقيهم بداره في عدن أو أماكن إقامته في (أوروبا). أما الجانب الطاغي في الرسائل فهو ذلك الذي يتعلق بتجارة الآثار وفي مقدمتها (الأحجار المكتوبة) أي النقوش أو المساند، تلك التجارة المشئومة التي ألحقت الضرر في مجال التراث وعناية المثقفين. فهي تراث الحضارة العريق والعادات والتقاليد والفنون.
تصدمنا الرسائل بعنف حين تُظهر أن تجارة الآثار في اليمن قد اتخذت عند التقاء القرنين التاسع عشر العشرين أبعادا خطيرة، إذ كادت تشمل اليمن كله رغم وعورة الطريق وصعوبة التنقل من جراء اهتزاز الأمن المرافق لحالة التمزق التي أضعفت البلاد وقتها وخلقت فيها حالة القابلية للاستعمار. لقد قامت في تلك الفترة شبكة تخريب وتسرب للآثار كانت الحلقة العدنية – كما يظهر من رسائل الملف- أبرز حلقاتها، وذلك لأن حركة السفن التي تربط الميناء اليمني بالموانئ المهمة في أوروبا والهند قد سهلت في ظل الوجود البريطاني عملية التسريب.
وكان القانون في عدن هو إرادة المستعمر، ولم تكن إرادته تتعارض مع تشجيع الاتجار في الآثار رغم علمه بأنها مسروقة بل كان الضباط البريطانيون أنفسهم من عسكريين وأشباه مدنيين لا يتورعون عن الاستحواذ على ما تصل إليه أيديهم من قطع أثرية بعضها يتهافتون عليه لقيمته المادية وبعضها يحتفظ به الأفراد منهم على سبيل التذكار، والبعض الآخر يجد طريقه إلى متاحفهم والمتاحف الأوربية الأخرى بيعا وإهداء
في الرسالة رقم 96/2 بتاريخ 20/3/1896م أن محمد صالح قد اتخذ الترتيبات من أجل إحضار (التواريخ الحميرية ومؤلفات الهمداني للكونت من صنعاء. و(التواريخ الحميرية) عبارة فضفاضة ولكنها تشير الى طبيعة الوثائق التي كان "لندبرج" يسعى إلى اقتنائها ويحتمل أنها تعني النقوش. أما مؤلفات الهمداني فكثيرة ولعل ما كان يبحث عنه "لندبرج" هو المزيد من أجزاء (الإكليل). عاش الهمداني وهو أبو محمد الحسن بن يعقوب في القرن الرابع الهجري- العاشر الميلادي- وهو العلامة الموسوعي اليمني الذي اشتهر بلقب لسان اليمن.
من خلال الرسالة رقم 98/9 بتاريخ 12/4/98م وهي تشير الى جلب 11 حمالا من نقوش واضحة عبارة عن أحجار كبيرة وصغيرة، حملها من عدن إلى "لندبرج" وهي من أرض الخورة والعلهين ودمان وأرض عوذلة وأرض النخعين. بخمسمائة ورقة مطبوعة (مضغوطة) وأن هناك أحجارا أخرى تقدر بـ15 حملا.ومن خلال حفريات المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان في اليمن بين عامي1950-1952م بقيادة وندل فيلبس، والتي عملت تنقيبات أثرية في بيحان (تمنع، حيد بن عقيل، هجر بن حميد) التابعة لمملكة قتبان، وفي مأرب مملكة سبأ جاء في وصفه: كانت مقبرة تمنع في حيد بن عقيل مصدرا طيبا للدخل لبعض البدو لمدة طويلة من الزمن.. كانت القطع الأثرية تباع في الأسواق منذ سنوات عدة قبل عمل البعثة الأمريكية بالحفريات الأثرية، عن طريق البدو الباحثين عن الكنوز كان هؤلاء يحفرون في الرمال في تشكيل معالم الوجوه واللحية الكثة والأذرع المحورة، وأهم ما تتميز به هو وجود خناجر ذات طرف حاد ومقبض ينتهي برأس هلالي الشكل ويليها التماثيل الحجرية فاقدة الأرجل، سطوحها وجوانبها نحتت بأسلوب تكعيبي بدائي، وملامح الوجوه فيها لا تظهر بوضوح. كما أن نسب الجسم غير متناسقة وتأتي بعدها الدمى الطينية التي عملت بأصابع اليد في تشكيل الرأس والوجه المستدير، وتسطيح أو تدوير الجسم، بأطراف قصيرة، وهي إما واقفة أو جالسة، تتصف بعجز واسع، وقد أضيفت لبعضها قطع طينية للدلالة على خصال الشعر أو القلائد التي عملت أيضا بأشرطة مثقوبة أو خطوط محززة، ويستدل الى العيون والأثداء بثقوب أو قطع بارزة ومنها ما يتشابه بما وجود على دمى طينية في بلاد وادي الرافدين، والتي تمثل آلهة الخصب ورمز الأمومة.
وتأتي التماثيل البرونزية لتعطي انطباعاً على مدى التطور الذي وصلت إليه في المحافظة على نسب أجزاء الجسم، ذلك أنها اختلفت في تشكيلها عن التماثيل الحجرية من حيث عملها في قوالب برونزية وجاءت معبرة لسمات الشخصية اليمنية لتماثيل الذكور والإناث. وكان للفنان الحرية في وضع الأيدي وابتعاده عن الالتصاق بالجسم ودلت ملامح الوجوه على دقة تمثيلها لتحاكي الشكل الطبيعي وإظهار الابتسامة على محياها باستنثاء تمثال معدي كرب الذي يبدو عليه الصرامة كما في التماثيل الحجرية وقد أفرد تمثال معدي كرب قدمه اليسرى لتتقدم على اليمنى وهو الوضع في تمثال برونزي لرجل.
وتتميز النماذج ذات النحت النصفي البارز على ألواح حجرية بأنها تعد أدق ما أنتجه النحات اليمني القديم في شكل الرأس وملامح الوجوه وإبراز الصدر وتقنية القلائد وشفافية الثوب. ولهذه الألواح أهمية دينية.
وفي شواهد القبور السبئية ترتدي النساء أثواباً طويلة تصل إلى القدمين، على شكل طيات ملتفة، ويبدو الثور على النصف العلوي المنحوت للمرأة بتشكيل متقن دقيق شفاف وقد يمثل عند فتحة الرقبة على شكل أشعة الشمس مع إظهار مواضع التكفيت وطرف الأكمام القصيرة بالإضافة إلى الملابس فقد شكلت الأحذية لبعض النماذج: أنواع منهما على شكل حذاء ذي مشبك أو حذاء يغطي كامل القدمين، من المحتمل أنه عمل للمتوفى صاحب شاهد القبر وهو الحذاء الذي وجد بجانب المومياوات المكتشفة في اليمن.
واختلفت تسريحات الشعر بين نماذج الذكور والإناث. ففي التماثيل الأنثوية ذات النحت التكعيبي البدائي، عملت تركيبات مقصوصة على جانبي الرأس وحصل تطور في بعضها لتصبح التسريحة طبيعية وفي التماثيل ذات النحت المدور منها ماعمل الشعر على شكل إكليل مضفور أو أرسلت تسريحات الشعر للخلف كما في نماذج التماثيل الأنثوية البرونزية أو يصفف ويشد للخلف وقد يعمل على شكل طاقية بخصلات مضفورة مركزها وسط الرأس كما في نموذج تمثال معدي كرب والذي عملت له أيضا لحية من خصل مجعدة مصفوفة.
وتميزت الأشكال الهندسية بأنها عملت على كتل حجرية كتصميمات هندسية محورة، مثل مباني مقدسة بما فيها من أبواب والنوافذ وشبابيك واسعة وضيقة، تحيطها إطارات مستطيلة الشكل وعقود، مدببة مثلثة مقوسة ترتفع فوق الأبواب.
يرافق هذه العناصر المعمارية رموز دينية، إلى جانب أعمدة ومباخر متنوعة ومختلفة بها أشكال هندسية، والتي تظهر فيها دقة وبراعة النحات في تشكيلها وتنفيذها وإخراجها، محافظا على نسبه الهندسية وصقل مسطحاتها حتى وإن تكررت في أوجه الكتل الهندسية إن النحات اليمني القديم قد اتبع في نحت نماذجه طرائق وأساليب خاصة به وقد تنوعت وتعددت تفاصيل النحت، ومع ذلك فإن للنحات اليمني أسلوبا متميزا ومعبرا عن خصوصية الحضارة اليمنية القديمة.
-الدكتور محمد سلامة استاذ للاثار بجامعة صتعاء
إن أعمال الآثار ونقلها إلى الخارج مسألة قديمة ومستمرة، خاصة إذا ما علمنا أن المواقع الأثرية في اليمن كثيرة، وتحتاج إلى المزيد من الحرص والوعي لأهمية كل أثر، كما أن فقدان الأثر وعرضه أو الاحتفاظ به في كل بقعة من العالم يشكل نقصا في مدلوله العلمي والثقافي لدى الباحثين والمهتمين.
الممالك اليمنية القديمة
ينبغي أن يسبق المراحل التاريخية الحضارية لليمن القديم، ذكر لعصر التاريخ المبكر وعصر ما قبل التاريخ، وهما عصران لم تتضح بعد الصور الأولية لهما نظرا لقلة العمل الأثري في اليمن بهذا الخصوص. وقد أنبأت الشواهد القليلة المتوافرة عن فترات العصر البرونزي والعصر الحجري وهي الفترات السحيقة التي ينبغي أن تسبق في العادة عصر التاريخ القديم أو فترة الحضارة الراقية، بل يرجح أن بلاد اليمن قد شهدت مراحل التحولات الحضارية الأولى التي عهدت في بقاع معهد الحضارات المعروفة مثل حضارة ما بين النهرين وحضارة وادي النيل وحضارة بلاد الشام، فموقعها المجاور والملامس لتلك البقاع يقتضي أن تكون قد عرفت حضارة مبكرة تشكل امتدادا لها أو من بعض أصولها. غير أن اليمن لم تنل حظها من الجهود الأثرية التي نالتها تلك البقاع، ولذا كانت الدلائل الأثرية القليلة التي تؤمئ إلى تلك العصور السحيقة غير كافية، ولا بد من جهود كبيرة متضافرة ومسح آثاري شامل وتنقيب علمي منظم يتم في هذه البلاد حتى يتسنى لها إبراز شواهدها الحضارية وكتابة فصولها التاريخية منذ أقدم العصور.
ظهرت في اليمن حضارة عريقة، امتدت قيدما إلى معظم أجزاء الجزيرة العربية، ففي هذا الإقليم من بلاد العرب، قامت حضارة يعود قديماً آثارها إلى ماقبل الألف الأول قبل الميلاد، حضارة جذبت إليها أنظار العالم القديم وأثرت فيه، وبلغت من ذيوع الصيت ما جعل الكتاب الكلاسيكيين من أمثال سترابو وبلني وبطليموس يتحدثون عنها بكثير من الإعجاب والانبهار. ففي تلك العهود عاشت على مسرح الحوادث في العربية السعيدة ممالك في فترات متداخلة ومتعاقبة هي: سبأ ومعين وحضرموت وقتبان، ومملكة لم تظهر هويتها كاملة هي تلك التي كانت تدعى أوسان، والتي تبدو أنها كانت على الأغلب متعاصرة متعاونة أو متنافسة متناصرة، كل منها تستقل بنفسها تارة وتدين بالولاء لبعض جاراتها تارة أخرى.
وتنافست الممالك الأربع التي تختلف في قوتها، بعضها مع البعض الآخر. وفي نهاية القرن الثاني قبل الميلاد برزت سبأ قوة استطاعت أن تغزو معين، وكذلك أجزاء من مملكة قتبان الغربية، أما التهديد الخطير الوحيد لممالك اليمن فهو الذي جاء في حوالي ( 25-24ق، م) عندما سيطر الجيش الروماني بقيادة "اليوس جاليوس" aelius Gallus)) على مصر، ومن ثم تغلغل إلى الجنوب العربي بمساعدة أدلائهم من الأنباط، وهاجم الرومان نجران ومعين التي ربما فتحت أبوابها للأعداء. أما مأرب فقد صمدت وتراجع الرومان بسبب قلة الماء وانتشار الأمراض. وكان في خطط الإسكندر المقدوني القيام بحملة بسبب موته المبكر، أما مملكة قتبان فقد استمرت في ضعفها، فعاصمتها" تمنع" دمرت في الربع الأول للقرن الأول بعد الميلاد من قبل حضرموت، أما الأجزاء الأخرى لقتبان فقد سقطت في أيدي السبئيين وأهل حضرموت.
مملكة سبأ
مملكة سبأ هي الأقدم من بين الممالك اليمنية القديمة فتاريخ سبأ هو في الحقيقة سناد التاريخ اليمني القديم وعموده، ودولة سبأ في العصر الأول، هي أكبر وأهم تكوين سياسي فيه، وما تلك الدول التي تذكر معها سوى تكوينات سياسية كانت تدور في الغالب في فلكها، ترتبط بها حينا وتنفصل عنها حينا آخر، مثل دول معين وقتبان وحضرموت، أو تندمج معها لتكون دولة واحدة مثل حمير، والتي لقب ملوكها بملوك سبأ وذوريدان، وذوريدان هم حمير، وأرض سبأ في الأصل هي منطقة مأرب، وتمتد إلى الجوف شمالا، ثم ما تلاها من المرتفعات والهضبات إلى المشرق، مثل مناطق أرحب وخولان وقاع صنعاء وقاع البون كان موقع مأرب عاصمة مملكة سبأ في وادي سبأ على مشارف الصحراء يسيطر على طريق التجارة المهم المعروف بطريق اللبان.
وقد وصفت أرض (شبا) ( سبأ) في التوراة بأنها كانت تصدر اللبان وكانت ذات تجارة، وأن تجارها كانوا يتاجرون مع العبرانيين، واشتهرت قوافلها التجارية التي كانت ترد محملة بالأشياء النفسة. وتبين من المواضع التي ورد فيها ذكر السبئيين في التوارة أن معارف العبراينيين عنهم قد حصلوا عليها من اتصالهم التجاري معهم.
جاء في وصف حديث للمدينة ( مأرب وسبأ) والمنطقة المجاورة ما يأتي" وهناك وهدة واسعة وبالأخرى سلسلة من الوهاد المتقاربة على طول ( 160) ميلا إلى الشمال والشمال الشرقي من بلاد اليمن ويفصل هذه الوهاد عن هضبة صنعاء والمناطق الفاصلة من ( نهم وبلاد خولان) ويمتد هذا المنخفض الكبير غير المنتظم من الشمال إلىالجنوب منحدرا من هضبة اليمن .
بما فيها عسير, ويحاذيه من الشرق الكثبان العالية من الصحراء الشرقية الكبرى، ويدعى القسم الجنوبي من ذلك المنخفض بالجوف ( ويدعى كثيرا بجوف اليمن) وقد كان مركزا لحضارة السبئيين والمعينيين قديما. وسبأ أرض اليمن مدينتها مأرب بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام.
ورد سم سبأ دون غيرها من الممالك اليمنية القديمة في القرآن الكريم في سورة النمل وفي سورة تحمل اسمها ( سورة سبأ) وهو بذلك أول مصدر يعتد به في الحديث عن مملكة سبأ وقومها وما كانوا عليه من ديانة وأوضاع اجتماعية.
مملكة معين.
أقام المعينيون في الجوف مملكتهم، وفيه لا تزال خرائب حاضرتهم ( قرنو) التي تعرف باسم ( معين) باقية إلى اليوم، والجوف منفهق من الأرض ، تحيط به الجبال: برط والشعف واللوذ من الشمال، وسليام ثم يام من الجنوب وتفضي إليه أربعة أودية، أهمها وادي الخارد.
وقد ذكر الهمداني، مواضع كثيرة في منطقة الجوف مثل معين ونشق وبراقش. وكمنا وغيرها. وأقدم من ذكر المعينيين الجغرافي اليوناني "سترابو". نقلها من مصادر يونانية قديمة عندما عدد ممالك بلاد العرب الجنوبي، فقد ذكر مملكة المعينيين، وأن عاصمتهم هي قرنا( karna) وحسب وصف "سترابو"، تقع معين في الشمال إلى الجنوب منها سبأ وإلى الجنوب البعيد تقع قتبان وإلى الشرق منها كلها تقع حضرموت، ومعين اسم حصن ومدينة باليمن.
ويرى بعض العلماء أن مملكتي سبأ ومعين، قد وثقتا العلاقة بينهما، وأصبحت معين مستقلة حتى نهاية القرن الخامس قبل الميلاد، ومنذ القرن الرابع دخلت فترة طويلة من الازدهار والرخاء الاقتصادي، وخلال تلك الفترة سيطرت على معظم طرق التجارة، التي تستمر مدة شهرين في طريقها حتى تصل للبحر المتوسط..
ولتوفير الحماية لهذا الطرق فإن المعينيين أنشأوا مستعمراتهم بعيدا في الشمال الغربي للجزيرة العربية من منطقة واحات ددان.
وتوصل القائمون على الحفريات- على الرغم من عدم اكتمالها- إلى نتائج مهمة يتعلق البعض منها بتاريخ قتبان.
مملكة أوسان
اسم إحدى الممالك اليمنية القديمة، فقد جاء في النقوش السبئية والقتبانية "ملك/ أوسن" و"ملك أوسن"، وهو الاسم الذي أطلق على المنطقة الواقعة على ساحل خليج عدن وبعض المناطق الداخلية، ويرجع أن موطنها الأصلي في وادي مرخة. ويستفاد من نقش صرواح الكبير الذي يذكر أن "الملك المكرب" السبئي كرب إل وتار بن ذمار علي، قد قام بعدة حملات عسكرية داخلية خلال فترة حكمه "القرن السابع قبل الميلاد" يهدف منها إلى تثبيت السلطة المركزية لدولته وتأديب من خرج عنه.. وشملت حملاته مناطق أوسان وغيرها من المنطق الجنوبية حتى باب المندب.. ويستفاد من النقش أن ذلك الحاكم تمكن من إقامة دولة مركزية قوية انضوى تحت لوائها كل اليمن تقريباً.
حديث الوثائق
يستفاد من كتاب (المستشرقون وآثار ليمن) بجزأيه لمؤلفه د. محمد بافقيه 1988م أن الشخصية المهمة الذي يرد اسمه في رسائل الكتاب، هو "الكونت دي لندبرج" أو عمر السويدي (1848-1924) الذي زار اليمن مرات ما بين عام 1882م وعام 1894م وبلغ في إحداها مأرب تحت اسم الشيخ حسين.. ظل تطلعه الى اختراق المناطق الداخلية مشروعا على ورق الرسائل التي تبادلها مع أولي الشأن في تلك المناطق: (نصاب ويشم وبيحان وعدن وسقطرى وقشن والشحر والمكلا وبالحاف وحورة وعرقة وأحور وشقرة).
تشكل الرسائل إضافة مهمة الى حصيلتنا من الوثائق عن الفترة التي تعود إليها، وهي فترة شهدت تسارعا في وتيرة التغلل البريطاني في المناطق الداخلية من جنوب اليمن تغلغلا لعب فيه دورا ملحوظا المغامر البريطاني وإيمان بري (أو عبدالله منصور) الذي تردد اسمه في الرسائل أكثر من أي مخلوق آخر، وتغطي الرسائل العائدة إلى الأعوام من 1895-1911م مجمل الفترة التي ظل خلالها، بل وإلى ما وراءها قليلا، المستشرق السويدي الكونت كارلودي لندبرج على اتصال بمعاريفه اليمنيين، يلتقيهم بداره في عدن أو أماكن إقامته في (أوروبا). أما الجانب الطاغي في الرسائل فهو ذلك الذي يتعلق بتجارة الآثار وفي مقدمتها (الأحجار المكتوبة) أي النقوش أو المساند، تلك التجارة المشئومة التي ألحقت الضرر في مجال التراث وعناية المثقفين. فهي تراث الحضارة العريق والعادات والتقاليد والفنون.
تصدمنا الرسائل بعنف حين تُظهر أن تجارة الآثار في اليمن قد اتخذت عند التقاء القرنين التاسع عشر العشرين أبعادا خطيرة، إذ كادت تشمل اليمن كله رغم وعورة الطريق وصعوبة التنقل من جراء اهتزاز الأمن المرافق لحالة التمزق التي أضعفت البلاد وقتها وخلقت فيها حالة القابلية للاستعمار. لقد قامت في تلك الفترة شبكة تخريب وتسرب للآثار كانت الحلقة العدنية – كما يظهر من رسائل الملف- أبرز حلقاتها، وذلك لأن حركة السفن التي تربط الميناء اليمني بالموانئ المهمة في أوروبا والهند قد سهلت في ظل الوجود البريطاني عملية التسريب.
وكان القانون في عدن هو إرادة المستعمر، ولم تكن إرادته تتعارض مع تشجيع الاتجار في الآثار رغم علمه بأنها مسروقة بل كان الضباط البريطانيون أنفسهم من عسكريين وأشباه مدنيين لا يتورعون عن الاستحواذ على ما تصل إليه أيديهم من قطع أثرية بعضها يتهافتون عليه لقيمته المادية وبعضها يحتفظ به الأفراد منهم على سبيل التذكار، والبعض الآخر يجد طريقه إلى متاحفهم والمتاحف الأوربية الأخرى بيعا وإهداء
في الرسالة رقم 96/2 بتاريخ 20/3/1896م أن محمد صالح قد اتخذ الترتيبات من أجل إحضار (التواريخ الحميرية ومؤلفات الهمداني للكونت من صنعاء. و(التواريخ الحميرية) عبارة فضفاضة ولكنها تشير الى طبيعة الوثائق التي كان "لندبرج" يسعى إلى اقتنائها ويحتمل أنها تعني النقوش. أما مؤلفات الهمداني فكثيرة ولعل ما كان يبحث عنه "لندبرج" هو المزيد من أجزاء (الإكليل). عاش الهمداني وهو أبو محمد الحسن بن يعقوب في القرن الرابع الهجري- العاشر الميلادي- وهو العلامة الموسوعي اليمني الذي اشتهر بلقب لسان اليمن.
من خلال الرسالة رقم 98/9 بتاريخ 12/4/98م وهي تشير الى جلب 11 حمالا من نقوش واضحة عبارة عن أحجار كبيرة وصغيرة، حملها من عدن إلى "لندبرج" وهي من أرض الخورة والعلهين ودمان وأرض عوذلة وأرض النخعين. بخمسمائة ورقة مطبوعة (مضغوطة) وأن هناك أحجارا أخرى تقدر بـ15 حملا.ومن خلال حفريات المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان في اليمن بين عامي1950-1952م بقيادة وندل فيلبس، والتي عملت تنقيبات أثرية في بيحان (تمنع، حيد بن عقيل، هجر بن حميد) التابعة لمملكة قتبان، وفي مأرب مملكة سبأ جاء في وصفه: كانت مقبرة تمنع في حيد بن عقيل مصدرا طيبا للدخل لبعض البدو لمدة طويلة من الزمن.. كانت القطع الأثرية تباع في الأسواق منذ سنوات عدة قبل عمل البعثة الأمريكية بالحفريات الأثرية، عن طريق البدو الباحثين عن الكنوز كان هؤلاء يحفرون في الرمال في تشكيل معالم الوجوه واللحية الكثة والأذرع المحورة، وأهم ما تتميز به هو وجود خناجر ذات طرف حاد ومقبض ينتهي برأس هلالي الشكل ويليها التماثيل الحجرية فاقدة الأرجل، سطوحها وجوانبها نحتت بأسلوب تكعيبي بدائي، وملامح الوجوه فيها لا تظهر بوضوح. كما أن نسب الجسم غير متناسقة وتأتي بعدها الدمى الطينية التي عملت بأصابع اليد في تشكيل الرأس والوجه المستدير، وتسطيح أو تدوير الجسم، بأطراف قصيرة، وهي إما واقفة أو جالسة، تتصف بعجز واسع، وقد أضيفت لبعضها قطع طينية للدلالة على خصال الشعر أو القلائد التي عملت أيضا بأشرطة مثقوبة أو خطوط محززة، ويستدل الى العيون والأثداء بثقوب أو قطع بارزة ومنها ما يتشابه بما وجود على دمى طينية في بلاد وادي الرافدين، والتي تمثل آلهة الخصب ورمز الأمومة.
وتأتي التماثيل البرونزية لتعطي انطباعاً على مدى التطور الذي وصلت إليه في المحافظة على نسب أجزاء الجسم، ذلك أنها اختلفت في تشكيلها عن التماثيل الحجرية من حيث عملها في قوالب برونزية وجاءت معبرة لسمات الشخصية اليمنية لتماثيل الذكور والإناث. وكان للفنان الحرية في وضع الأيدي وابتعاده عن الالتصاق بالجسم ودلت ملامح الوجوه على دقة تمثيلها لتحاكي الشكل الطبيعي وإظهار الابتسامة على محياها باستنثاء تمثال معدي كرب الذي يبدو عليه الصرامة كما في التماثيل الحجرية وقد أفرد تمثال معدي كرب قدمه اليسرى لتتقدم على اليمنى وهو الوضع في تمثال برونزي لرجل.
وتتميز النماذج ذات النحت النصفي البارز على ألواح حجرية بأنها تعد أدق ما أنتجه النحات اليمني القديم في شكل الرأس وملامح الوجوه وإبراز الصدر وتقنية القلائد وشفافية الثوب. ولهذه الألواح أهمية دينية.
وفي شواهد القبور السبئية ترتدي النساء أثواباً طويلة تصل إلى القدمين، على شكل طيات ملتفة، ويبدو الثور على النصف العلوي المنحوت للمرأة بتشكيل متقن دقيق شفاف وقد يمثل عند فتحة الرقبة على شكل أشعة الشمس مع إظهار مواضع التكفيت وطرف الأكمام القصيرة بالإضافة إلى الملابس فقد شكلت الأحذية لبعض النماذج: أنواع منهما على شكل حذاء ذي مشبك أو حذاء يغطي كامل القدمين، من المحتمل أنه عمل للمتوفى صاحب شاهد القبر وهو الحذاء الذي وجد بجانب المومياوات المكتشفة في اليمن.
واختلفت تسريحات الشعر بين نماذج الذكور والإناث. ففي التماثيل الأنثوية ذات النحت التكعيبي البدائي، عملت تركيبات مقصوصة على جانبي الرأس وحصل تطور في بعضها لتصبح التسريحة طبيعية وفي التماثيل ذات النحت المدور منها ماعمل الشعر على شكل إكليل مضفور أو أرسلت تسريحات الشعر للخلف كما في نماذج التماثيل الأنثوية البرونزية أو يصفف ويشد للخلف وقد يعمل على شكل طاقية بخصلات مضفورة مركزها وسط الرأس كما في نموذج تمثال معدي كرب والذي عملت له أيضا لحية من خصل مجعدة مصفوفة.
وتميزت الأشكال الهندسية بأنها عملت على كتل حجرية كتصميمات هندسية محورة، مثل مباني مقدسة بما فيها من أبواب والنوافذ وشبابيك واسعة وضيقة، تحيطها إطارات مستطيلة الشكل وعقود، مدببة مثلثة مقوسة ترتفع فوق الأبواب.
يرافق هذه العناصر المعمارية رموز دينية، إلى جانب أعمدة ومباخر متنوعة ومختلفة بها أشكال هندسية، والتي تظهر فيها دقة وبراعة النحات في تشكيلها وتنفيذها وإخراجها، محافظا على نسبه الهندسية وصقل مسطحاتها حتى وإن تكررت في أوجه الكتل الهندسية إن النحات اليمني القديم قد اتبع في نحت نماذجه طرائق وأساليب خاصة به وقد تنوعت وتعددت تفاصيل النحت، ومع ذلك فإن للنحات اليمني أسلوبا متميزا ومعبرا عن خصوصية الحضارة اليمنية القديمة.
-الدكتور محمد سلامة استاذ للاثار بجامعة صتعاء