من يتابع أخبار الشأن اليمني - يصاب بالاكتاب من أول وهله وخاصة من كان في الغربة مثل العبد لله، ومما يزيد الطين بله أنك لا تقرأ في صحف الحكومة لا تأكيداً- وهذا ليس بغريب- ولا نفياً وهذا من غير المألوف فالجماعة قد "تعبوا" من كثرة النفي والمشترك من كثرة الكذب.
ولن أبالغ في القول أن المتصفح لصحافة المعارضة يظن أن نفخ الصور قريب وأن "أسرا فيل" وصل وعسكر وحل الرحال على أحدى تلال جبل النبي شعيب منتظرا أشارة ( أستغفر الله) من محمد قحطان أو حسين الأحمر.
وهذا بالطبع نتيجة للخطاب السياسي والذي خلق مستوى خطير وغير مسبوق من الاحتقان السياسي والاجتماعي – كنتيجة للوضع الاقتصادي المتردي أصلاً في البلد والذي يوحي وكأننا على حافة "ثوره" من نوع آخر- ضد الفساد وضد الفقر – وضد الظلم.
وهذا هو أحد أسباب كتابة هذا المقال بالإضافة لمجموعة أحداث- حالفها الحظ فطفت على سطح الصحافة الإلكترونية- فخزنتها الذاكرة بدون تسلسل زمني متنوعةً مابين مقتل الشيخ الشرعبي بتعز بأيادي جنود الدولة والرعوي في أب في عقر دار الدولة، إلى قضية المسوري ضابط الأمن الذي حكمت له أحدى محاكم الدولة بالعودة إلى عمله ولم يُمكًن منه،وأخيراً إلى قضية السيدة أروى الهمداني واغتصاب أرضها وعدم تمكينها برغم حكم محكمه الدولة والتوجيهات العليا من رئيس الكل رئيس الدولة.
وهذه القضايا بتنوعها تكاد تغطي كل مكونات وأساسيات المجتمع السليم الذي نحلم به جميعاً من سلام اجتماعي وعدالة وصيانة للحقوق و حماية للنفس البشرية، قضايا حيوية تجعل المرء يؤمن أن " العدو" يبدوا فيها أو بتعبير أكثر تهذيباً "الغريم" فيها الدولة.
وبالتأكيد أن الجميع بمختلف ألوان الطيف السياسي متفقين أن الفساد- مصيبة اليمن الأزلية – ولدنا معه وسنموت معه شر لابد منه، وأنا لن أتناول كل أبجدياته فهذا ليس بيت القصيد ولكني باقتضاب أود التذكير بالعلاقة "الحميمة" بين الفساد والفقر.
فالفقر مثلاً وبحسب مصادره الرسمية اليمنية والتي تنشر الكثير من تقاريره يصيب 47 % من اليمنيين الذين يعيشون تحت خطه بسبب الفساد الذي لم يفرق بينهم أينما كانوا شمالاً أو جنوبا شرقاً أو غرباً، ومعلوماتي هذه مستقاة من ملخص لأحد هذه التقارير الذي نشرته وزارة التخطيط والتعاون الدولي قبل حوالي عامين- يعني مصدر حكومي- والله وحده يعلم كم نسبته الآن في 2007، إذا كان هناك مليوني فقير في الجنوب فهناك 7 ملايين فقير في الشمال.
وحتى نصل إلى بيت القصيد فالفقر يُعرف بأنه " الحالة الاقتصادية التي يفتقد فيها الفرد إلى الدخل للحصول على المستويات الدنيا من الرعاية الصحية والغذاء والملبس والتعليم وكل ما يُعد من الاحتياجات الضرورية لتأمين مستوى لائق في الحياة".
فالغلاء الفاحش للأسعار – حول الشريحة العظمى من اليمنيين إلى فقراء يعني لم يعد هناك شئ أسمه الطبقة الوسطى لأنها ببساطه " سُحقت"، فالأحوال المعيشية للمواطنين إذا لا تسر بالمرة برغم البرامج والاستراتيجيات لمكافحته. ودولتنا تعرف جيداً مكامن الخلل و تمسك بزمام مفاتيح الإصلاح وهذه حقيقة لا ينكرها إلا أبله.
ومن الحقائق الساطعة أيضاً أن دولتنا لديها "النية"- برضاها أو بغير- في استئصال الفساد ولكن لا ينقصها سوى"الإرادة"، وبالتأكيد لو عزمت الدولة النية و فُتحت أبواب المسألة للجنة مكافحة الفساد- بدون عوائق و"كحوله"- لما سلم منها أحد لا من طالع ولا من نازل لان دولتنا مثل البقرة الحلوب يدعوا لها الجميع بكرةً وعشيا ولولاها لما نمت عظام واشتدت سواعد.
وبالتأكيد وبدون مواربة أقول أن الجميع متفق أن مفاتيح إصلاح الشأن اليمني بشكل عام ليست فقط في واشنطن - مقر البنك الدولي- حيث يتوافد وزرائنا لتوقيع الاتفاقيات عام بعد عام- ولا هي في عواصم الدول المانحة من برلين إلى الرياض أو الدوحة.
الجميع مؤمن – وأنا منهم- أن الحل في يد شخص واحد فقط لا أحد غيره ينظر الجميع إليه بكل الأمل- الرئيس- رئيسنا جميعا، فهو ولأسباب كثيرة ليس لها أول من أخر أقلها بداهةُ أنهُ الآمر والناهي في البلد بطولها وعرضها فله اليد الطولى وكلمته مسموعة ومطاعة وأن لم تكن بالتي هي أحسن فبغيرها.
لديه حكومة ووزراء ومحافظين وجيش وطائرات وحرس جمهوري وحرس خاص وامن خاص ووطني وامن قومي وأجهزه أمنيه لا تعد ولا تحصى- كلها أدنى من بنانه.
تقاريرها تصل إليه فيتصفحها صباحاً وعشيا فيعرف منها من الغادي ومن الرائح ومن اجتمع ومن تأمر ومن سب ومن وشتم ومن فرح ومن ترح، الرئيس يعرف متى ارتفع سعر القمح والروتي والرز والطحين وغيرها من أساسيات القوت اليومي للمواطن اليمني.
والرئيس هو ولي الأمر لكل أسره يمنيه تلتحف سماء اليمن، فمن صلب مهامه كولي أمر لهذه الأسرة اليمنية الكبيرة أن يسعى لدعمها فيوفر لها السكن والمأوى والدواء كأساسيات للحياة الشريفة التي تمنع عنها الفاقة وتغنيها مد اليد وسؤال الناس والابتعاد عن المال الحرام، هل ينكر احد هذا ؟ هذا هو عمل الرئيس- أي رئيس- منذ أن يفيق من نومه إلى ساعة الغسق- هذا هو ولي الأمر الذي ارتضيناه ورضي لنفسه أن يكون رئيساً مسموعاً مطاعاً.
وعندما لا يسود العدل ولا يختفي الفقر لا نتوقع من الرئيس – أي رئيس- أن يكون كالخليفة عمر بن الخطاب أو عمر بن عبد العزيز- مع انه لا يوجد ما يمنع- فينسل كل ما حانت لديه الفرصة- في الليالي الدامسة فيسترق السمع من خلف الأبواب والنوافذ لعل وعسى أن تكون هناك أسره مظلومة فينصفها أو جائعة فيطعمها أو محتاجة فيعينها. فالرئيس على كل حال ليس بحاجه لذلك، فذلك زمن قد ولى ولن يرجع، فهو يعلم أن معظم الأسر اليمنية "منهكة" تشكو الله من الفاقة وشبابها من البطالة (34% إحصائيات 2006) وليس لديها حيله أو ملجأ لتجاوز هذه المحن التي ابتليت بها- بعد ألله- إلا شخصه.
والرئيس الآن وغداً وكل يوم مثل البلسم ينزل على الجرح فيدمله، ونزوله إلى عدن "برد" الأمور وعمل فعل السحر في تهدئة الأمور وتطمين القلوب ونزع الفزع والجزع، وفخامته لديه مؤسسات معها من الإمكانيات ما يكفل لها أن تجعله ينام قرير العينين بدون خوف أو وجل من التقصير أو الإهمال-على افتراض أنها تعمل بطريقه سليمة. والرئيس حينما يعَين البعض ممن يثق بهم على قمة الهرم التنفيذي في تلك المؤسسات لا يُعين أباطرة للفساد- عن قصد ولا عن جهل- ولكن الحاصل أن المال السائب يعلم السرقة، فما أن يمتطي هؤلاء مراكز مؤسساتهم حتى يسرعوا بها إلى حتفها "فيمتصوها" ويتركوها وقد أصبحت هشيما لسبب بسيط أنهم يعرفون أنه لا حساب إلا يوم الحساب.
ومن العجائب أن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة يحتفظ لهؤلاء بملفات للفساد تنوء بحملها الجبال، لكن بكل أسف أن آلية عمل الجهاز- والذي يتبع رئيس الجمهورية مباشرةً- أصبحت مثل ملكُي اليمين واليسار يسجلا كل أعمال العبد لله ما ورد منها وما شرد ولكن الحساب يوم القيامة.
إذا فكلنا مؤمنون أن الرئيس- ممثلاً بالمؤتمر- يستطيع أن ينتقل باليمن من حالة الركود الاقتصادي بدلاً من حوارات المؤتمر الغير مجديه مع الأحزاب التي لا تهش ولا تنش إلى مستوى أخر من الواقعية. ما يريده الشعب من فخامته "ثوره" بيضاء ضد الفساد والمفسدين يلمس الناس نتائجها في حياتهم اليومية،ثوره للتنمية والأعمار ولمحاربة الفقر.
والذي يقول أن الرئيس لا يستطيع أن يغير الوضع القائم لان الفساد قد أستفحل في كل مؤسسات الدولة فهو أحمق من "هبنقه" وللذين لم يسمعوا بهبنقه هذا فقد كان أغبى الرجل في قومه ويقال أن قبيلتي "بني طوافه" و "بني راسب" اختلفتا في طفل فكل منها أدعي انه لها فأحتكما إلى "هبنقه" فحكم بينهم أن يُلقى به في الماء فأن "طفا" فهو من "بني طوافه" وان "رسب" أي غرق فهو من "بني راسب".
والمتتبع لمسيرة الرئيس في إدارة البلد يبدوا له جلياُ أن فخامته يتبع أسلوب الرئيس السابق "كلينتون" في بلاد العم سام والذي كان يقال عنه " إذا أردت أن تكون صديقاً "لبيل كلينتون" فكن عدوه"، والملاحظ أن معظم أعداء فخامته بالأمس هم أصدقاء اليوم وأعداء اليوم هم بالتأكيد أصدقاء الغد، ففخامته ومن سجاياه التي يحسدها الكثير عليها قل أن توجد لدى أي زعيم عربي، ففخامته يريد الكل أصحابه وهذا لا ينفع في اليمن وقد يكون هذا الذي أوصلنا إلى ما وصلنا أليه فليس كل الأعداء أصدقاء وليس كل الأصدقاء أصدقاء، فالكثير ممن يفترض أنهم أصدقاء اليوم هم الذين يديرون بعضاُ من شئون البلد ولهذا وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه.
والإيحاء أن سبب تفشي الفساد غير معروف فيه الكثير من أخلاق النعامة من دفن الرأس في الرمال، وخوفي على جيل الثورة وأنا منهم- وقد غزانا الشيب- أن نعيش ونموت على أزلية"الفساد". فكنت قد التقيت في أمريكا قبل سنوات – بأحد الزملاء "المطلعين" فدعوته للعشاء في أحد مطاعم المدينة وتجاذبت معه الحديث عن الفساد- وكان حينها موضوعاً ساخناً كما هو الآن- والذي أستميحه عذراً اليوم فهو لم يفش لي سراً حينما حاول إفهامي أن الأخ الرئيس والنائب كلما اجتمعا يتحدثان دائماً عنه – أي الفساد- ولا يجدا لاستفحاله تفسيراً أو عذراً مقبولاً.
وذكرني هذا بحديث مشهور- فيه نوع من الفكاهة الشعبية- للأستاذ النعمان عضو المجلس الجمهوري – رحمة الله تغشاه- عندما تم سؤاله عن الفساد والوضع في اليمن في أواخر ستينات القرن الماضي فقال عبارته المشهورة" الوضع في اليمن مثل "جماع" الأحدي ( أي الغربان) اللي طالع يصيح واللي نازل يصيح".
وأختتم مقالي بلب الكلام وخلاصته أن الفساد أسوء من "أم عامر" ولهذا أن كان من نصيحة أوجهها لفخامة الرئيس- أن يا خذ باله على اليمن من "أم عامر" فخوفنا على اليمن منها.
وللذين لم يسمعوا بأم عامر فهي أسم "الضبع" عند العرب، وفي المثل أن مجموعه من الأعراب خرجوا للصيد فلمحوا ضبعاً ففرت منهم محتمية برتعٍ لإعرابي. فخرج إليهم الأعرابي وردهم خائبين من حيث أتوا، وعاد الأعرابي إليها فوجدها مجهده مرهقه فأهتم بشأنها وأكرمها بأن قدم لها الماء وجلب لها الحليب حتى عادت لها عافيتها، و بينما كان الأعرابي غافياُ جاعت فوثبت عليه فقتلته بعد أن أحسن إليها وأجارها. فلحق أهل الإعرابي بها فقتلوها انتقاما لصاحبهم، فقالت العرب:
ومنْ يصنع المعروفَ في غير أهلهِ يلاقي الذي لاقـَى مجيرُ أم ّ عامــر ِ ِ
أدام لها حين استجارت بقـــربـــــــهِ طعاما ٌ وألبان اللقاح ِ الدرائـــــــــــر ِ
وسمـَّـنها حتى إذا مـا تكاملــــــــــتْ فـَـرَتـْه ُ بأنياب ٍ لها وأظافــــــــــــــر ِ
ِفقلْ لذوي المعروف ِ هذا جزا مــنْ بدا يصنعُ المعروفَ في غير شاكــــر
ولن أبالغ في القول أن المتصفح لصحافة المعارضة يظن أن نفخ الصور قريب وأن "أسرا فيل" وصل وعسكر وحل الرحال على أحدى تلال جبل النبي شعيب منتظرا أشارة ( أستغفر الله) من محمد قحطان أو حسين الأحمر.
وهذا بالطبع نتيجة للخطاب السياسي والذي خلق مستوى خطير وغير مسبوق من الاحتقان السياسي والاجتماعي – كنتيجة للوضع الاقتصادي المتردي أصلاً في البلد والذي يوحي وكأننا على حافة "ثوره" من نوع آخر- ضد الفساد وضد الفقر – وضد الظلم.
وهذا هو أحد أسباب كتابة هذا المقال بالإضافة لمجموعة أحداث- حالفها الحظ فطفت على سطح الصحافة الإلكترونية- فخزنتها الذاكرة بدون تسلسل زمني متنوعةً مابين مقتل الشيخ الشرعبي بتعز بأيادي جنود الدولة والرعوي في أب في عقر دار الدولة، إلى قضية المسوري ضابط الأمن الذي حكمت له أحدى محاكم الدولة بالعودة إلى عمله ولم يُمكًن منه،وأخيراً إلى قضية السيدة أروى الهمداني واغتصاب أرضها وعدم تمكينها برغم حكم محكمه الدولة والتوجيهات العليا من رئيس الكل رئيس الدولة.
وهذه القضايا بتنوعها تكاد تغطي كل مكونات وأساسيات المجتمع السليم الذي نحلم به جميعاً من سلام اجتماعي وعدالة وصيانة للحقوق و حماية للنفس البشرية، قضايا حيوية تجعل المرء يؤمن أن " العدو" يبدوا فيها أو بتعبير أكثر تهذيباً "الغريم" فيها الدولة.
وبالتأكيد أن الجميع بمختلف ألوان الطيف السياسي متفقين أن الفساد- مصيبة اليمن الأزلية – ولدنا معه وسنموت معه شر لابد منه، وأنا لن أتناول كل أبجدياته فهذا ليس بيت القصيد ولكني باقتضاب أود التذكير بالعلاقة "الحميمة" بين الفساد والفقر.
فالفقر مثلاً وبحسب مصادره الرسمية اليمنية والتي تنشر الكثير من تقاريره يصيب 47 % من اليمنيين الذين يعيشون تحت خطه بسبب الفساد الذي لم يفرق بينهم أينما كانوا شمالاً أو جنوبا شرقاً أو غرباً، ومعلوماتي هذه مستقاة من ملخص لأحد هذه التقارير الذي نشرته وزارة التخطيط والتعاون الدولي قبل حوالي عامين- يعني مصدر حكومي- والله وحده يعلم كم نسبته الآن في 2007، إذا كان هناك مليوني فقير في الجنوب فهناك 7 ملايين فقير في الشمال.
وحتى نصل إلى بيت القصيد فالفقر يُعرف بأنه " الحالة الاقتصادية التي يفتقد فيها الفرد إلى الدخل للحصول على المستويات الدنيا من الرعاية الصحية والغذاء والملبس والتعليم وكل ما يُعد من الاحتياجات الضرورية لتأمين مستوى لائق في الحياة".
فالغلاء الفاحش للأسعار – حول الشريحة العظمى من اليمنيين إلى فقراء يعني لم يعد هناك شئ أسمه الطبقة الوسطى لأنها ببساطه " سُحقت"، فالأحوال المعيشية للمواطنين إذا لا تسر بالمرة برغم البرامج والاستراتيجيات لمكافحته. ودولتنا تعرف جيداً مكامن الخلل و تمسك بزمام مفاتيح الإصلاح وهذه حقيقة لا ينكرها إلا أبله.
ومن الحقائق الساطعة أيضاً أن دولتنا لديها "النية"- برضاها أو بغير- في استئصال الفساد ولكن لا ينقصها سوى"الإرادة"، وبالتأكيد لو عزمت الدولة النية و فُتحت أبواب المسألة للجنة مكافحة الفساد- بدون عوائق و"كحوله"- لما سلم منها أحد لا من طالع ولا من نازل لان دولتنا مثل البقرة الحلوب يدعوا لها الجميع بكرةً وعشيا ولولاها لما نمت عظام واشتدت سواعد.
وبالتأكيد وبدون مواربة أقول أن الجميع متفق أن مفاتيح إصلاح الشأن اليمني بشكل عام ليست فقط في واشنطن - مقر البنك الدولي- حيث يتوافد وزرائنا لتوقيع الاتفاقيات عام بعد عام- ولا هي في عواصم الدول المانحة من برلين إلى الرياض أو الدوحة.
الجميع مؤمن – وأنا منهم- أن الحل في يد شخص واحد فقط لا أحد غيره ينظر الجميع إليه بكل الأمل- الرئيس- رئيسنا جميعا، فهو ولأسباب كثيرة ليس لها أول من أخر أقلها بداهةُ أنهُ الآمر والناهي في البلد بطولها وعرضها فله اليد الطولى وكلمته مسموعة ومطاعة وأن لم تكن بالتي هي أحسن فبغيرها.
لديه حكومة ووزراء ومحافظين وجيش وطائرات وحرس جمهوري وحرس خاص وامن خاص ووطني وامن قومي وأجهزه أمنيه لا تعد ولا تحصى- كلها أدنى من بنانه.
تقاريرها تصل إليه فيتصفحها صباحاً وعشيا فيعرف منها من الغادي ومن الرائح ومن اجتمع ومن تأمر ومن سب ومن وشتم ومن فرح ومن ترح، الرئيس يعرف متى ارتفع سعر القمح والروتي والرز والطحين وغيرها من أساسيات القوت اليومي للمواطن اليمني.
والرئيس هو ولي الأمر لكل أسره يمنيه تلتحف سماء اليمن، فمن صلب مهامه كولي أمر لهذه الأسرة اليمنية الكبيرة أن يسعى لدعمها فيوفر لها السكن والمأوى والدواء كأساسيات للحياة الشريفة التي تمنع عنها الفاقة وتغنيها مد اليد وسؤال الناس والابتعاد عن المال الحرام، هل ينكر احد هذا ؟ هذا هو عمل الرئيس- أي رئيس- منذ أن يفيق من نومه إلى ساعة الغسق- هذا هو ولي الأمر الذي ارتضيناه ورضي لنفسه أن يكون رئيساً مسموعاً مطاعاً.
وعندما لا يسود العدل ولا يختفي الفقر لا نتوقع من الرئيس – أي رئيس- أن يكون كالخليفة عمر بن الخطاب أو عمر بن عبد العزيز- مع انه لا يوجد ما يمنع- فينسل كل ما حانت لديه الفرصة- في الليالي الدامسة فيسترق السمع من خلف الأبواب والنوافذ لعل وعسى أن تكون هناك أسره مظلومة فينصفها أو جائعة فيطعمها أو محتاجة فيعينها. فالرئيس على كل حال ليس بحاجه لذلك، فذلك زمن قد ولى ولن يرجع، فهو يعلم أن معظم الأسر اليمنية "منهكة" تشكو الله من الفاقة وشبابها من البطالة (34% إحصائيات 2006) وليس لديها حيله أو ملجأ لتجاوز هذه المحن التي ابتليت بها- بعد ألله- إلا شخصه.
والرئيس الآن وغداً وكل يوم مثل البلسم ينزل على الجرح فيدمله، ونزوله إلى عدن "برد" الأمور وعمل فعل السحر في تهدئة الأمور وتطمين القلوب ونزع الفزع والجزع، وفخامته لديه مؤسسات معها من الإمكانيات ما يكفل لها أن تجعله ينام قرير العينين بدون خوف أو وجل من التقصير أو الإهمال-على افتراض أنها تعمل بطريقه سليمة. والرئيس حينما يعَين البعض ممن يثق بهم على قمة الهرم التنفيذي في تلك المؤسسات لا يُعين أباطرة للفساد- عن قصد ولا عن جهل- ولكن الحاصل أن المال السائب يعلم السرقة، فما أن يمتطي هؤلاء مراكز مؤسساتهم حتى يسرعوا بها إلى حتفها "فيمتصوها" ويتركوها وقد أصبحت هشيما لسبب بسيط أنهم يعرفون أنه لا حساب إلا يوم الحساب.
ومن العجائب أن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة يحتفظ لهؤلاء بملفات للفساد تنوء بحملها الجبال، لكن بكل أسف أن آلية عمل الجهاز- والذي يتبع رئيس الجمهورية مباشرةً- أصبحت مثل ملكُي اليمين واليسار يسجلا كل أعمال العبد لله ما ورد منها وما شرد ولكن الحساب يوم القيامة.
إذا فكلنا مؤمنون أن الرئيس- ممثلاً بالمؤتمر- يستطيع أن ينتقل باليمن من حالة الركود الاقتصادي بدلاً من حوارات المؤتمر الغير مجديه مع الأحزاب التي لا تهش ولا تنش إلى مستوى أخر من الواقعية. ما يريده الشعب من فخامته "ثوره" بيضاء ضد الفساد والمفسدين يلمس الناس نتائجها في حياتهم اليومية،ثوره للتنمية والأعمار ولمحاربة الفقر.
والذي يقول أن الرئيس لا يستطيع أن يغير الوضع القائم لان الفساد قد أستفحل في كل مؤسسات الدولة فهو أحمق من "هبنقه" وللذين لم يسمعوا بهبنقه هذا فقد كان أغبى الرجل في قومه ويقال أن قبيلتي "بني طوافه" و "بني راسب" اختلفتا في طفل فكل منها أدعي انه لها فأحتكما إلى "هبنقه" فحكم بينهم أن يُلقى به في الماء فأن "طفا" فهو من "بني طوافه" وان "رسب" أي غرق فهو من "بني راسب".
والمتتبع لمسيرة الرئيس في إدارة البلد يبدوا له جلياُ أن فخامته يتبع أسلوب الرئيس السابق "كلينتون" في بلاد العم سام والذي كان يقال عنه " إذا أردت أن تكون صديقاً "لبيل كلينتون" فكن عدوه"، والملاحظ أن معظم أعداء فخامته بالأمس هم أصدقاء اليوم وأعداء اليوم هم بالتأكيد أصدقاء الغد، ففخامته ومن سجاياه التي يحسدها الكثير عليها قل أن توجد لدى أي زعيم عربي، ففخامته يريد الكل أصحابه وهذا لا ينفع في اليمن وقد يكون هذا الذي أوصلنا إلى ما وصلنا أليه فليس كل الأعداء أصدقاء وليس كل الأصدقاء أصدقاء، فالكثير ممن يفترض أنهم أصدقاء اليوم هم الذين يديرون بعضاُ من شئون البلد ولهذا وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه.
والإيحاء أن سبب تفشي الفساد غير معروف فيه الكثير من أخلاق النعامة من دفن الرأس في الرمال، وخوفي على جيل الثورة وأنا منهم- وقد غزانا الشيب- أن نعيش ونموت على أزلية"الفساد". فكنت قد التقيت في أمريكا قبل سنوات – بأحد الزملاء "المطلعين" فدعوته للعشاء في أحد مطاعم المدينة وتجاذبت معه الحديث عن الفساد- وكان حينها موضوعاً ساخناً كما هو الآن- والذي أستميحه عذراً اليوم فهو لم يفش لي سراً حينما حاول إفهامي أن الأخ الرئيس والنائب كلما اجتمعا يتحدثان دائماً عنه – أي الفساد- ولا يجدا لاستفحاله تفسيراً أو عذراً مقبولاً.
وذكرني هذا بحديث مشهور- فيه نوع من الفكاهة الشعبية- للأستاذ النعمان عضو المجلس الجمهوري – رحمة الله تغشاه- عندما تم سؤاله عن الفساد والوضع في اليمن في أواخر ستينات القرن الماضي فقال عبارته المشهورة" الوضع في اليمن مثل "جماع" الأحدي ( أي الغربان) اللي طالع يصيح واللي نازل يصيح".
وأختتم مقالي بلب الكلام وخلاصته أن الفساد أسوء من "أم عامر" ولهذا أن كان من نصيحة أوجهها لفخامة الرئيس- أن يا خذ باله على اليمن من "أم عامر" فخوفنا على اليمن منها.
وللذين لم يسمعوا بأم عامر فهي أسم "الضبع" عند العرب، وفي المثل أن مجموعه من الأعراب خرجوا للصيد فلمحوا ضبعاً ففرت منهم محتمية برتعٍ لإعرابي. فخرج إليهم الأعرابي وردهم خائبين من حيث أتوا، وعاد الأعرابي إليها فوجدها مجهده مرهقه فأهتم بشأنها وأكرمها بأن قدم لها الماء وجلب لها الحليب حتى عادت لها عافيتها، و بينما كان الأعرابي غافياُ جاعت فوثبت عليه فقتلته بعد أن أحسن إليها وأجارها. فلحق أهل الإعرابي بها فقتلوها انتقاما لصاحبهم، فقالت العرب:
ومنْ يصنع المعروفَ في غير أهلهِ يلاقي الذي لاقـَى مجيرُ أم ّ عامــر ِ ِ
أدام لها حين استجارت بقـــربـــــــهِ طعاما ٌ وألبان اللقاح ِ الدرائـــــــــــر ِ
وسمـَّـنها حتى إذا مـا تكاملــــــــــتْ فـَـرَتـْه ُ بأنياب ٍ لها وأظافــــــــــــــر ِ
ِفقلْ لذوي المعروف ِ هذا جزا مــنْ بدا يصنعُ المعروفَ في غير شاكــــر